عادي

المسؤولية الاجتماعية ضرورة أكاديمية

23:04 مساء
قراءة 5 دقائق
1

القاهرة: وهيب الخطيب
ربما أول شيء يخطر على بالك عند سماع مصطلح المسؤولية الاجتماعية social responsibility هو المسألة الأخلاقية. لكن المسألة أبعد من ذلك بكثير، وإن أردنا تعريف المسؤولية الاجتماعية فهي سلوك أو ممارسات تهدف في المقام الأول إلى تحسين أوضاع المجتمع على نحو عام، وتقوم على سبعة مبادئ، وفقاً لمواصفات الآيزو ISO 26000 المعتمدة عام 2010.

والمبادئ السبعة هي الشفافية، والمساءلة، والسلوك الأخلاقي، واحترام مصالح الأطراف المعنية، واحترام سلطة القانون، واحترام معايير السلوك الدولية، وأخيراً احترام حقوق الإنسان.

ومن ضمن المبادرات المهمة التي نظمتها الأمم المتحدة ودعت الشركات في مختلف دول العالم لتطبيقها، كانت «الميثاق العالمي للمسؤولية الاجتماعية».

تضمن هذا الميثاق عشرة مبادئ للشركات تمثلت في دعم حقوق الإنسان، وعدم التورط في انتهاكات حقوق الإنسان، واحترام حرية تكوين الجمعيات، والقضاء على جميع أشكال السخرة والعمل الإجباري، والقضاء على عمالة الأطفال، والقضاء على التمييز بكافة أشكاله، وطريق دعم وتشجيع المبادرات البيئية، وتطوير التقنيات الصديقة للبيئة وغيرها، واتباع نهج احترازي لمواجهة التحديات البيئية، ومكافحة الفساد بجميع أشكاله

يعد التعليم مفتاح التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وفقاً لمنظمة اليونيسكو، ويعد استراتيجية مهمة لتأسيس مجتمعات تعليمية ضمن إطار التنمية المستدامة، وتلعب الجامعات، بوصفها كيانات مؤسسية، دوراً محورياً في تطوير المجتمع، وتعد أداة أساسية تربط الاهتمامات الاقتصادية والمجتمعية والبيئية معاً، وتساعد أيضاً على ربط البيئة المحلية بالعالمية.كما تلعب الجامعات، كمؤسسات تعليمية، دوراً حيوياً في تطوير المجتمع وتحسينه، والمساهمة في رفاهية المواطنين. وبالنظر إلى المسؤولية الاجتماعية للأكاديميات التي تضم عدداً كبيراً من أفراد المجتمع «الطلاب، والمؤسسات، والموظفون، والشركات، والمجتمع المدني»، فإنها من المفترض أن تكون مؤسسات ذات رسالة وأهداف وإجراءات الاستراتيجية الموجهة نحو تلبية التوقعات المجتمعية. في هذا السياق، تعتبر الجامعة في إدارتها اليومية أيضاً كياناً مؤسسياً يضع الخطط والممارسات الاستراتيجية، وهي عملية أساسية لتحقيق نجاحها على المدى الطويل.

يمكننا القول إن المسؤولية المجتمعية للجامعات امتداد لمصطلح المسؤولية الاجتماعية للشركات أو مسؤولية الشركات تجاه المجتمع وهي مساهمة الشركات أو المؤسسات في التنمية المجتمعية بتنفيذ المشروعات والبرامج التنموية في مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في الدولة. والفرق هنا يكمن في الدور الذي تلعبه المؤسسات الجامعية في تحسين حياة المجتمع من خلال التدريس والتطوير، وتوليد طاقات قيادية يمكن الاعتماد عليها في المستقبل في تطبيق استراتيجيات التنمية المجتمعية ضمن إطار مستدام.

وربما تعد المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات عموماً محل اتفاق من أغلب التيارات الفكرية باستثناءات شبه معدودة، كأن يكتب الاقتصادي الحاصل على جائزة نوبل ميلتون فريدمان في نيويورك تايمز في العام 1970، أن المسؤولية الاجتماعية «عقيدة تخريبية في الأساس في مجتمع حر»، وكان يعتقد أن المسؤولية الوحيدة التي تتحملها الشركات أو المؤسسات تخص المساهمين فيها، وفي العام 1999، قدم جون إلكينجتون مفهوم «المحصلة النهائية الثلاثية»، موضحاً أن الاهتمام بالمجتمع والبيئة يمكن أن يتعايش مع طموح تحقيق الأرباح.

3 وظائف

تغير مفهوم الجامعة في العديد من البلدان نحو الدور الذي تلعبه، فلم يعد يقتصر على التدريس، لكنها مسؤولة عن اتخاذ قرارات مقبولة على المستوى الأخلاقي والاجتماعي لأصحاب المصالح المعنيين، مثل جميع أطياف المجتمع والبيئة وغيرهم.

وتقدم الجامعة واجبها المجتمعي من خلال ثلاث وظائف، الأولى التعليم والتعلم، آلية تعتمدها الجامعة لتخريج أجيال قادرة على المشاركة في تحسين وتطوير جميع أشكال الحياة في المجتمع، من خلال توظيف قدراته البشرية والإبداعية.

والثانية هي البحث العلمي، فأبسط الأمثلة على أهمية البحث العلمي هي الأزمة العالمية التي نكّست العالم في الثلاثة أعوام الماضية، وهي انتشار وباء كوفيد 19. إذ قدم البحث العلمي للبشرية أعظم ما قد يتم منحه للمجتمع، وهو الأمل في تجاوز المرض، والقدرة على مواصلة الحياة.

والثالثة تتمثل في تنمية المجتمع وخدمته، من خلال أنشطة ومبادرات، كما أطلقنا عليها، أخلاقية.

تغيرات

لا تزال البلدان العربية تحتاج إلى جهود كبيرة لتعزيز هذا النوع من ممارسات المسؤولية الاجتماعية، المحدودة حتى الآن. لا شك في أن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي تمر بها البلدان العربية تؤثر بشكل كبير في تقدم مستوى هذه الممارسات في السنوات الأخيرة، لكن هناك حاجة ماسة لتطوير منظومة التعليم العالي لتستطيع مواكبة ما يحدث في العالم، وبالتالي يعود بالنفع على المجتمع ككل.

وتناولت عدة دراسات بحثية في الوطن العربي مسألة المسؤولية الاجتماعية للجامعات، نذكر منها دراسة الباحث محمد البلشي في العام 2020 التي تناولت التخطيط لتفعيل ممارسات المسؤولية الاجتماعية، والإضاءة على ممارسات الجامعات المصرية في هذا المجال. وأوضحت الدراسة مظاهر القصور التي تعانيها الجامعات المصرية. هناك دراسة أخرى تناولت دور الجامعات العربية في أداء مسؤوليتها تجاه المجتمع، قدمها الباحث زرزار العياشي عام 2017. وتوصلت إلى افتقار كثير من الجامعات العربية لاستراتيجيات وخطط وبرامج التنمية الزراعية والصناعية، بجانب غياب التعاون وانخفاض مستوى العملية التعليمية في الأكاديميات العربية.

لكن، على الرغم من ذلك. لا نستطيع تجاهل مبادرات عدة، والتي هدفت إلى تفعيل مبدأ المسؤولية الاجتماعية للجامعات، مثل المجتمع العربي الدولي الثاني المحكم الذي تناول المسؤولية المجتمعية للجامعات «التزام وتشريعات»، والذي أقيم تحت رعاية الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية ونظمته جامعتا عمان العربية والقدس المفتوحة في العام 2019.

وتمثلت أهداف المؤتمر في تحديد المفاهيم والمعايير الحاكمة والقضايا الأساسية المتعلقة بالمسؤولية المجتمعية ومناقشتها مع متخصصين وممارسين وأصحاب التجارب البارزة في الأوساط العربية. بالإضافة إلى تقديم مبادرات عملية، بجانب تفعيل شراكات بين الجامعات العربية والمؤسسات المجتمعية لتعزيز المسؤولية المجتمعية.

وضمّ المؤتمر أربعة محاور رئيسية، هي واقع ممارسة الجامعات لمسؤوليتها المجتمعية، والاحتياجات التشريعية للمسؤولية المجتمعية للجامعات، والصورة النمطية للجامعات في مجال المسؤولية المجتمعية، واهتمام الجامعات بتوفير البيئة المسؤولة مجتمعياً.

شروط واجبة

ولتحقيق الأكاديميات العربية دورها المجتمعي، فثمة شروط واجب توفرها، أولها استقلالية المؤسسات التعليمية، وإتاحة مناخ ديمقراطي وإطلاق الحريات الأكاديمية بما يشمل حريات الفكر والرأي والاجتماع والتنقل وإلقاء المحاضرات والمشاركة في الندوات العامة وحلقات النقاش والمشروعات البحثية والحصول على المعلومات واستخدامها ونشر وتوزيع الأعمال العلمية، وتشكيل هيئات تراقب المسؤولية الاجتماعية، وتحديد الشركاء المعنيين بمختلف البرامج وتوقعاتهم من مختلف برامج المسؤولية الاجتماعية وإعداد الدراسات والأبحاث المناسبة لها.

ثقافة التطوع

الحديث عن الدور المجتمعي للجامعات يستتبع بالضرورة حديثاً عن ثقافة التطوع وترسيخها في الحياة اليومية للطلاب، خاصة أنها تثري تجاربهم الجامعية وتصقل مهاراتهم وتطور شخصياتهم وطاقاتهم، مما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة، وبناء مستقبل أفضل للأجيال الجديدة، كذلك يعزز التطوعُ التلاحمَ المجتمعي والتآخي الإنساني.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdhs24t8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"