عادي

دور استباقي في حل المشكلات

23:06 مساء
قراءة 6 دقائق
1

استطلاع: نجاة الفارس
إلى أي مدى تتفاعل الجامعات مع مختلف قضايا المجتمع العلمية والثقافية والاجتماعية؟ يؤكد عدد من الأكاديميين، أن الجامعات تشارك في تقديم الخدمات المهنية والتوعوية للمجتمع مما يجعل لها دوراً استباقياً مهمّاً في رصد الكثير من المشكلات، وبحثها وتقديم الحلول الناجعة لها إما عن طريق الجلسات الحوارية أو المبادرات أو الأبحاث العلمية والمؤتمرات التي تقدم النتائج والتوصيات المهمة التي تعالج الكثير من المشكلات أثناء أو ربما قبل حدوثها، ويكمن اليوم دور الجامعات الريادي في البحث العلمي الذي يخدم القضايا المجتمعية فتسهم في تقديم اقتراحات وحلول في مجالات التنمية بكل أشكالها.

لا تنفصل الجامعات عن محيطها المجتمعي، فهي تقوم بدور تنويري على كافة الصعد، وذلك عبر عقد المؤتمرات العلمية المتخصصة، واستقطاب العلماء لهذه الغاية من مختلف أنحاء العالم، أو عبر مشاركة كوادرها في المؤتمرات العلمية المحلية والدولية، وتقوم في كل ذلك بتقديم بحوث ودراسات تطبيقية، وتدرس ظواهر معينة في المجتمعات مقدمة خلاصة تجارب العلماء في حل المشكلات،.

أساس
يقول الدكتور شعبان بدير ناقد وأكاديمي في جامعة الإمارات العربية المتحدة: «تأسست الجامعات على أساس مجتمعي وتنويري، حيث استدعت حاجة المجتمعات وسوق العمل إلى إنشاء مؤسسات التعليم العالي المتخصصة في مناحي الحياة المختلفة (الثقافية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والزراعية...إلخ) فشاركت الجامعات في نهضة المجتمع في كافة المجالات، حيث خرجت العقول المدربة والمسلحة بالعلم والمعرفة والممارسة القادرة على إدارة هذه المجالات والنهوض بها، فلم تكتف بالتدريب المهني الصارم بل خرجت الكوادر المتعلمة المثقفة والمزودة بالتفكير الناقد ومناهج التعليم الحديث في مجال تخصصها، مما ساهم بدور كبير في تحضر المجتمعات ورقيها، والخروج بها من البدائية إلى التحضر والتقدم».

الصورة
1

ويضيف، كذلك أصبحت الجامعات هي حلقة الوصل بين المجتمعات ودور العلم ومؤسساته المتقدمة في العالم، فساهمت في نقل العلم والمعرفة، والأفكار الخلاقة التي تنهض بالحياة في كافة مجالاتها، ولم يعد البحث العلمي مجرد أفكار تتداول على الورق، وفي ثنايا الكتب بل استثمار وتنمية، لدرجة أن الدول المتقدمة أصبحت تستثمر في البحث العلمي فتنفق عليه الأموال الطائلة لأنه هو الذي سيلبي احتياجاتها الاستراتيجية، ويزودها بالأفكار الخلاقة والمبدعة التي تضعها في مصاف الدول المتقدمة، فأصبحت هناك البرامج التي تساعد الشركات على تحسين قدرتها التنافسية والإنتاجية من خلال الاستخدام الأفضل للمعرفة والتكنولوجيا والمهارات التي تنتجها الجامعات المتقدمة، لدرجة أن الدول أصبحت تصدر إنتاج طلابها من العلم والمعرفة والتكنولوجيا الحديثة إلى باقي دول العالم، مما جعل الجامعات الحديثة لا يشغلها فقط أن تلبي حاجة مجتمعها المحلي بل أصبحت تسعى إلى إنتاج خريج قادر على مجاراة الحياة العلمية والمعرفية والوظيفية في كافة أنحاء العالم، ليس فقط في العلوم التطبيقية والتكنولوجية، بل كذلك في العلوم الإنسانية والفنون والآداب والفلسفة، وعلوم الفضاء، مما يشجع الجامعات دائماً على تطوير مناهجها وبرامجها، حتى تكون قادرة على مواكبة أحدث البرامج التعليمية على مستوى العالم، حتى تضمن لبرامجها الثقة والاعتماد المحلي والدولي، وترتقي بترتيبها في التصنيفات العالمية للجامعات والمعاهد العلمية.

ريادة
الدكتورة مريم الهاشمي باحثة وأكاديمية، تقول: «إن لحياة الإنسان ماهية اجتماعية، وهي قائمة على أساس تقسم الواجبات والحقوق، وإن فئات البشر متفاوتون في الكفاءات والإمكانات، والمجتمع يتشكل من مرافق ومؤسسات أصيلة وفرعية، وهذه المؤسسات مرتبطة بأفرادها، وكل تغيير يطرأ على إحدى هذه المؤسسات يؤدي إلى التغيير على المؤسسات الأخرى، ومنها الجامعات، والتي لعبت دوراً مهمّاً منذ تأسيسها في المجتمعات العربية من الجامعات الأندلسية في قرطبة وجامعة القرويين في المغرب، وجامعة الأزهر في مصر، ما كان لها صدى طيب في تشكيل ذوات وعقول متسلحة بالعلم والأخلاق، كما حافظت الجامعات على مر السنين على دورها القوي في النفاذ إلى الرأي العام أو التأثير في النخبة الثقافية؛ بل في الوعي العام إن كانت الغالبية من شباب المجتمع من ينتسب لها، ولذا نجد دورها الحثيث في المساهمة مع المؤسسات الأخرى كما نلحظ في جامعات الدولة، والتي تساند القطاعات الحيوية العلمية الأخرى وهو ما فعلته مثلاً في التشجيع على العمل التطوعي وزرع قيم وهوية المجتمع بما يخدم رؤية الدولة في المجالات العلمية والتوعوية والاجتماعية في سبيل النهضة الشمولية، فالجامعة مؤسسة تكوينية لا ترسم أهدافها بمعزل عن المجتمع؛ بل تستلهم من المجتمع أهدافها وقيمها، ويكمن اليوم دورها الريادي في البحث العلمي الذي يخدم القضايا المجتمعية فتسهم في تقديم اقتراحات وحلول في مجالات التنمية بكل أشكالها الزراعية والصناعية والتكنولوجية والطاقية».

مشاريع
عدة
الدكتور حمدي الشيباني عميد كلية الهندسة في جامعة أبوظبي، يقول: «تعد خدمة المجتمع إحدى أهم وظائف الجامعات المرموقة كجامعة أبوظبي وغيرها من الجامعات في مختلف دول العالم، بل إن مخرجات التعلم في العديد من البرامج وبالذات الهندسية منها تشترط تمكين الخريجين من إيجاد حلول للمشاكل العلمية والثقافية والاجتماعية للمجتمع وتقييم تأثير التصاميم الهندسية عليه، لذا تسعى الجامعات إلى زرع الاهتمام بالقضايا المجتمعية في أبنائنا الطلبة وتشجيعهم على توظيف مهاراتهم في الاستجابة لحاجات المجتمع، ويتجلى التفاعل عادة من خلال مشاريع التخرج، إذ تختار فرق العمل من الطلبة قضايا مجتمعية مهمة وتسعى لتوظيف مهاراتهم المكتسبة عبر برامجنا المعتمدة عالمياً لتطوير نماذج وحلول بناءة تسعى للرقي بالمجتمع وإزالة عثرات التقدم، فنجد مشروعات عدة على اختلاف تخصصات الطلبة تقدم حلول الاستدامة ورعاية الأطفال وأصحاب الهمم والاكتشاف المبكر للأمراض وعلاجها والتوعية وترشيد استهلاك الماء والحفاظ على البيئة والموروث الثقافي ومكتسبات الوطن ونظم التعلم الحديثة وابتكارات الحوكمة والأمن والأمان وتوظيف الذكاء الاصطناعي والروبوتات في ما فيه خير المجتمع ورفعته».

مرتكزات
الدكتور عامر قاسم نائب رئيس جامعة العين، يقول: «للجامعات دور محوري في بناء المجتمع، فهو يرتقي بها، ومن خلالها يزدهر ويسمو في مختلف شؤون الحياة، لذا فإن الدول المتحضرة تزهو بجامعاتها التي تشكل لبنة أساسية لتحضر المجتمع ورفعته وتقدّمه، فهي تسهم في بناء المجتمع ورفد كوادره بخريجين يتمتعون بأعلى درجات الوعي لما تقدمه لهم من دور تنويري وتوعوي ينبثق من مجمل الأطر العلمية والثقافية والاجتماعية. يرتكز العمل الأكاديمي الجامعي على ثلاثة أعمدة أساسية تتمثل في التعليم والبحث العلمي والتفاعل مع المجتمع المحلي، وهو بالتالي يصقل الجوانب التعليمية ويجعلها تتواءم مع تطلعات المجتمع الحالية والمستقبلية، فضلاً عن أنه يرتكز على البحث العلمي في مختلف الجوانب النظرية والتطبيقية، فيحدث بذلك معامل تأثير بناءة في الجوانب التي يعالجها، وغالباً ما تقدم هذه البحوث توصيات من شأنها إحداث التغيير المطلوب والارتقاء بمستوى التفكير وإيجاد الحلول المبتكرة لكثير من القضايا الاجتماعية والعلمية والعملية، مما يؤسس لعلاقة تفاعلية مع المجتمع مستندة إلى المسؤولية المجتمعية للجامعات».

تفاعل
الدكتورة عزة عبد العظيم أحمد، أستاذ الإعلام بكلية الاتصال وعلوم الإعلام بجامعة زايد، تقول: «يعد الدور المجتمعي للجامعات جانباً أصيلاً من الأدوار المنوط بها في المجتمعات العربية والأجنبية على حد سواء، حيث تعد خدمة المجتمع إحدى المهام الرئيسية لعضو هيئة التدريس التي تتضمن التدريس والبحث العلمي بالإضافة إلى خدمة المجتمع. تتضمن المناهج في معظم التخصصات الجامعية مساقات عملية تهتم بالتطبيق العملي للجوانب النظرية التي تم تدريسها للطلاب والتي تعنى بإكساب الطالب مهارات تطبيق والاستفادة من المعلومات المكتسبة في المساقات المختلفة في خدمة القضايا العلمية والاجتماعية وغيرها من قضايا الشأن العام، على سبيل المثال تطرح كليات الإعلام مساقات التدريب العملي ومشروع التخرج، حيث يتم تدريب الطلاب على تصميم حملات إعلامية لمناقشة قضايا مجتمعية مثل التنمّر والزواج المبكر والبطالة وغلاء المهور والاستهلاك السلبي وتأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي وغيرها من الموضوعات والقضايا المجتمعية الحالية، وقد تذهب هذه الحملات لاقتراح بعض الحلول غير التقليدية لها، ومن خلال هذه المشروعات يتفاعل الطلاب والأساتذة مع الجمهور العام والعاملين في القطاعين الحكومي والخاص، ويشهد الطلاب والطالبات تعاوناً واضحاً من كل الجهات المعنية لإنجاز مشروعاتهم، بل ويشاركون في تحكيمها وتطبيقها في أرض الواقع».

وتوضح عبد العظيم، أن أعضاء هيئة التدريس بالجامعات يهتمون بإجراء بحوث ودراسات حول القضايا الحالية في كثير من المجالات، حيث يسهم البحث العلمي في تحليل هذه القضايا ومعالجتها بشكل علمي لتطوير الجانب النظري والتطبيقي في آن واحد، ويتم تمويل المشروعات البحثية من الجامعات إيماناً برسالة الجامعة ودورها في التفاعل المجتمعي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5yh83zv5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"