حوارية التي تأكل بعضها

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

قلت للقلم: ألا ترى أن جناب جوزيب بوريل محتاج إلى فحص نظر، دقيق؟ قال: ومن أين عرفت أن الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية يعاني قصر النظر، سلمت عيناه؟ قلت: الغاب إلى جواره وحوله ولا يراها. قال: بعض العودة إلى الجذور لا يخلو من سلبيات: لا تنسَ أن الفايكينج والفندال تحدّروا كجلمود صخر على دماغ أوروبا من البلدان الإسكندنافية. لكن، لا تقع في ما وقعت فيه تحليلات وسائط الإعلام من لبس وأوهام، فحادثة إحراق المصحف في العاصمة السويدية حركة بكتيرية جرثومية لا تستطيع رؤيتها بدقة إلاّ بمجهر علم النفس السياسي، فوراء الأكمة السامّة ما وراءها.
قلت: وكيف كان ذلك أيها الحكيم بيدبا؟ قال: زعموا أن «آجاماً في الغاب» التي لا يرى بوريل غيرها، قرّر أهلها أن تكون شؤون سيادتها وحِماها بأيديهم لا بأيدي الغيلان، التي تتوهم أن الغاب ومن فيها متاع تركة وإرث متوارث. رأى القوم أن مصالح مضاربهم تقتضي تمتين الأواصر مع من ليس لهم شراسة الغيلان، وآثروا التعامل فيما بينهم بلا وسيط من عملات أو مصارف، وجدوا أنه أجدى لهم أن يكون التبادل التجاري بعملاتهم، فإلى متى يظلون وكأنهم قُصّرٌ في حاجة إلى أوصياء وأولياء أمور.
قلت: أنار الله بصيرتك، إذاً هكذا أوغرت نخوة الكرامة صدور الغيلان إذ رأت في التحويلات المرورية ضرباً من شقّ عصا الطاعة. هي تخشى أن تؤدي العلاقات التجارية إلى تحالفات أبعد مدى. التجارة منذ أقدم العصور متعددة الجسور. لقد شاهدت بأعينها، إن كانت تبصر، أن التعامل مع خصومها تعامل أنداد ووداد وتنمية واحترام متبادل. عرفت بعد فوات الأوان أن الآية الكريمة صالحة لكل زمان ومكان: «ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك» (آل عمران159).
قال: الآية درس عظيم في العلاقات بين البشر وبين الدول، لا فرق. لكن الغيلان لا ترى أهل الغاب، في نظر بوريل، بشرا. هم عندها من الثدييات العليا. تدمير مساحاتهم لا يعدو أن يكون قطع أشجار في الغاب، والتصرف فيما على أرضهم وما في جوفها إنما هو قطاف ثمار في الغاب. هي أشياء مباحة متاحة تؤخذ بكل راحة. الناس يريدون تحويل مسارات التبادل التجاري والعملات ومصادر السلاح وأسس العلاقات الدولية، ثم نتساءل كيف تتحرك بيادق الانتقام؟ انتظروا المزيد.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاشتقاقية: الغرب والغروب من ثلاثيّ واحد، والحضارة والاحتضار من جنس اشتقاقي واحد.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yserhtd3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"