عادي

رجل المسرح الأول

00:30 صباحا
قراءة 12 دقيقة
مشهد من مسرحية الحجر الأسود

الشارقة: علاء الدين محمود

(يا أهل المسرح: لقد حملت هموم المسرح على عاتقي وأعاهدكم بأني سأحملها وإلى الأبد، فإن أخطأت فأرشدوني، وإن وهنت فأعينوني، وإن قضيت فاكتبوا في سيرتي «كان رجلاً عاشقاً للمسرح»). تلك كلمات لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة تؤكد الحب الكبير الذي يكنّه سموّه للمسرح بوصفه أحد أهم الفنون الإنسانية التي تخاطب البشر في كل مكان وتحمل رسالة الوعي والجمال والإبداع.

هذا يقود إلى التجربة الأدبية الكبيرة لصاحب السمو حاكم الشارقة في مجالات إبداعية متعددة مثل الرواية والكتابة التاريخية والسيرة الذاتية والمسرح الذي يحتل المكانة الأبرز وسط تلك الاهتمامات التي مثلت مشروعاً متكاملاً يبرز فيه التاريخ بصورة أساسية، وتنفتح في ذات الوقت على الواقع، إذ إن الذهاب إلى عمق التاريخ إنما هو لخدمة الراهن وتفسيره، ولعل إسهامات صاحب السمو حاكم الشارقة لا تتوقف عند حدود الكتابة المسرحية فقط، بل تشمل ذلك التفاعل الكبير مع المسرح المحلي والعربي والعمل على تطويره. ولعل اتجاه صاحب السمو حاكم الشارقة نحو المسرح، يأتي نسبة للأدوات الهائلة التي يمتلكها هذا الإبداع الراقي الذي يعتبر بجدارة «أبو الفنون»، حيث تجتمع فيه كل أشكال وأنوع الممارسات الإبداعية الأخرى، ويتفوق عليها باعتباره حالة فنية تقدم بصورة مباشرة للجمهور دون أي حواجز أو موانع، لذلك دائماً ما اعتبر المسرح من أدوات التربية والتوعية وبث الرسائل الفكرية، حيث يعمل على استنهاض الأمم والشعوب وازدهار وتقدم البلدان، وذلك ما عبر عنه صاحب السمو حاكم الشارقة في قوله: «إن رغبتي شديدة في زيادة الاهتمام بالمسرح ودفع عجلته إلى الأمام باعتبار المسرح أحد مجالات عرض الآداب الراقية».

انتعاشوذلك الاهتمام هو ما جعل الحركة المسرحية في الإمارات تنتعش بصورة كبيرة بفضل ذلك الاهتمام، وصارت معه الشارقة مركزاً ثقافياً مشعاً في مجال المسرح بصورة أكثر خصوصية، حيث إن صاحب السمو حاكم الشارقة، ينطلق في اهتمامه الكبير بالمسرح من واقع المسؤولية الكبيرة تجاه الوطن والأمة، والعمل على رفع الوعي وسط الجمهور والأجيال القادمة، ويتمثل ذلك في المهرجانات الكبيرة التي صارت تعرف بها إمارة الثقافة العربية مثل: مهرجان أيام الشارقة المسرحية، والمسرح الخليجي، كلباء للمسرحيات القصيرة، والمسرح الثنائي، وغير ذلك، وهي عملية مستمرة تشير إلى مشروع يبحث في أفق للمسرح الإماراتي والعربي، وهنالك ابتكار مستمر وهو الذي أنتج مهرجانات أخرى مثل المسرح الصحراوي الذي خرج عن العلبة التقليدية وطريق العرض القديمة نحو فضاءات تنتمي إلى البيئة العربية، وهذا المجهود تم توجيهه أيضاً نحو الكثير من الدول العربية عبر دعم الحراك المسرحي فيها والمساعدة في تجديد وتأسيس البنية التحتية من أجل مسرح مستمر، بل وعمل سموه على دعم المبدعين هناك حتى لا يتوقف العطاء الممتد للمسرحيين العرب.

لقب«رجل المسرح»، هو اللقب الذي صار يحمله صاحب السمو حاكم الشارقة، نسبة إلى جهوده الجبارة في دعم الفعل الإبداعي المسرحي في كل العالم العربي، وكذلك للنصوص المتميزة التي كتبها سموه، والتي تحمل الرؤى والأفكار والتصورات والرسائل المختلفة والمتنوعة، وكل عمل مسرحي لسموه هو عبارة عن غوص عميق في التاريخ الذي يستدعيه ليحاكمه وليثير مزيداً من الأسئلة حوله وهي العملية التي بغيرها لا يمكن خلق علاقة ندية ومميزة مع الآخر والذي هو هنا الثقافة والحضارة الغربية، فعملية الحوار معها يتطلب استدعاء التاريخ وإدانة العديد من الممارسات فيه ومن ثم فتح صفحة جديدة تقوم على التسامح والانفتاح، وكذلك يمارس سموّه في الذهاب نحو التاريخ فعل الاطلاع على القيم العربية النبيلة والأخلاق الرفيعة المتمثلة في الشجاعة والإقدام والكرم وغير ذلك مما يصلح أن يكون قدوة للأجيال.

عالم بديل

مسرح صاحب السمو حاكم الشارقة يحمل دعوة لعالم جديد يسود فيه الجمال وقيم الحب والخير والتسامح، بديلاً لما هو سائد من حروب ومشاحنات وجماعات منغلقة هنا وهناك تقبح وجه الواقع والتاريخ، وتجعل مسألة التقاء الحضارات وتعارف الثقافات أمراً صعباً وقاسياً، ولكن هذه الرسالة العظيمة لا توجه من خلال النصوص المسرحية إلى الآخر فقط، بل والذات كذلك، حيث إن عملية التغيير بالنسبة للشعوب العربية مسألة مهمة وضرورية، ويكون ذلك عبر الاستفادة من ما يحمله التاريخ في سجلاته من مواقف وقيم وأخلاق عربية وإسلامية، ثم مواجهة الآخر ليس من أجل إقصائه بل التحاور معه، وهي العملية التي تتطلب من هذا الآخر أن يلتفت هو أيضاً نحو تاريخه والأخطاء التي ارتكبت خلال عصور ممتدة ومن ثم يمارس فعل الاعتذار والاتجاه نحو بدء صفحات جديدة بمفاهيم مختلفة عن تلك سادت حقباً، بالتالي فإن صاحب السمو حاكم الشارقة يمارس فعل توسيع رسالة المسرح ويمنحه أدواراً جديدة، وهو الأمر الذي يعزز من مكانة «أبو الفنون»، ليكون شريكاً أصيلاً في صناعة حياة جديدة يسودها السلام وتتحاور فيها الثقافات والشعوب بدلاً من أن تنغلق وتحترب، وذلك الأمر يحمل إشارة ودلالة شديدة الوضوح على أن صاحب السمو حاكم الشارقة في كتاباته المسرحية والتاريخية بوجه عام منفتح على قضايا الإنسان، وذلك ما أكده عندما قال: «إن المسرح يطرح ويعكس قضايا الإنسان، بكافة تجلياتها».

تحاور

هذا التحاور مع التاريخ والواقع والقراءة للمستقبل في نصوص صاحب السمو حاكم الشارقة المسرحية، صارت مجالاً خصباً للكثير من الدراسات والكتابات لكتاب ونقاد قدموا غوصاً عميقاً في تلك العوالم الثرية والمتنوعة ليخرجوا بقراءات عبرت عن ذلك الاهتمام، فالناقدة بهيجة أدلبي قدمت قراءة متميزة في مسرح سموه، وأشارت إلى أنه يربط في فلسفته المسرحية بين المسرح والجمال والحياة، فعندما لا تدرك البشرية قيمة الجمال في الحياة تأخذها الحروب، إلى عبثها، وفوضاها، ذلك أن الجمال المكتمل كما يرى سموه، «لا يتوافر في فن من الفنون بقدر ما هو عليه في المسرح، فهو الوعاء الجامع لكل فنون الجمال، ومن لا يتذوق الجمال لا يدرك قيمة الحياة. والمسرح حياة، فما أحوجنا اليوم إلى نبذ كلّ أنواع الحروب العبثية»، مشيرة إلى أن سموه قد أدرك في فلسفته المسرحية العميقة قيمة المسرح المنطوية في قيمة الحوار، لأن «أبو الفنون»، هو المختبر الحقيقي لحركة التواصل الإنساني، في ترسيخ قيمة الحوار كحاجة إنسانية من أجل التعايش، ومن هنا تصبح العلاقة بين الحوار في المسرح والحوار في الحياة علاقة جدلية، فكلما انزاحت المسافة بين البشر انزاحت الخلافات والنزاعات، وتلامست الرؤى، وكلما اتسعت المسافة اتسعت الفرقة، واصطدمت الرؤى، وانكسرت الأحلام.

الوطن

وتلك الرؤية التفت إليها أيضاً الناقد د. هيثم الخواجة والذي أشار إلى أن الأعمال المسرحية لصاحب السمو حاكم الشارقة ترتبط بتلك القيم التي يؤمن بها والأفكار التي يحملها، لافتاً إلى كره سموّه للظلم والتجبر والفساد وتضخم الذات، ومن هنا تبرز الاتجاهات الفكرية في مسرح سموه، ويأتي في مقدمتها الاتجاه الوطني: فالهاجس الوطني واضح لا يغيب في أي عمل من أعماله، حيث يؤكد مراراً ضرورة الحفاظ على الوطن وحمايته من منطلق الواجب الديني، فضلاً عن أنه يعالج المشكلة بأبعادها القريبة المباشرة والبعيدة غير المباشرة، وهنالك أيضاً الكاتب ظافر جلود الذي أفرد كتاباً كاملاً يتناول فيه ذلك الغوص العبقري لصاحب السمو حاكم الشارقة في دهاليز الماضي، وهو الكتاب الذي يحمل عنوان «اللحظة التاريخية في مسرح سلطان القاسمي»، وفيه يشير الكاتب إلى أن استثمار سموه للتاريخ كان ذكياً، باعتبار هذا التاريخ مستودعاً لا ينضب من المعاني والدلالات العميقة، وكان سموه من دون شك، عميقاً في طرح الأسئلة، واستنباط الرسائل التي صنع منها أرشيفاً من الفكر والجمال عبر القيمة الأدبية والمعرفية، ومعمارية البناء والأمكنة والسرد المسرحي.

قلب المعادلات

وهنالك العديد من النقاد والأدباء والمفكرين الذين تناولوا أعمال صاحب السمو حاكم الشارقة وقدموا الكثير من الرؤى والتحليلات حولها، بل صارت تلك المسرحيات والروايات التاريخية لصاحب السمو حاكم الشارقة مصدر إلهام للعديد من الروائيين والمسرحيين الإماراتيين، حيث إن الرواية التاريخية باتت تحتل اليوم مكانة مميزة، ولعل أكثر ما يميز أعمال سموه هو استنادها على الكثير من المراجع والوثائق والمخطوطات التاريخية الموثقة والمحققة، بتالي فإن تلك المسرحيات والأعمال السردية الأخرى تنهض برافعة البحث والتقصي، بل وفي كثير من تلك الإصدارات، فإن سموه يعمل على إزالة الصور الذهنية النمطية السائدة، والمغالطات والأكاذيب التي تسيدت المشاهد السياسية والفكرية والأدبية والثقافية، وتعامل معها الكثيرون بوصفها حقائق، غير أن سموه في الكثير من تلك المسرحيات يقلب المعادلات الثابتة والجامدة ليقدم الحقيقة كما هي بالتالي ليسهم في عملية التنوير والوعي الحقيقي.

مؤلفات

إن التجول في أعمال صاحب السمو حاكم الشارقة المسرحية، هي عملية تتوفر فيها المتعة إلى جانب المعرفة، وتحرض على التفكير والتأمل، خاصة أن تلك المسرحيات، في مجملها، تقدم رؤى مغايرة، ووقائع تاريخية حقيقية فيها اختلاف كبير عن الذي ظلت تقدمه العديد من كتب ومؤلفات التاريخ، حيث إن سموه يستند إلى معايير الدقة توجهاً نحو الحقيقة قدر الإمكان، وذلك ما سيلاحظه القارئ خلال هذا التجوال.

تعتبر مسرحية «عودة هولاكو»، أولى إصدارات صاحب السمو حاكم الشارقة، في العام 1998، وتم عرضها بواسطة مسرح الشارقة الوطني في العام 1999، واللافت في ذلك النص هو المقدمة التي خطها سموه والتي يقول فيها: «من قراءتي لتاريخ الأمة العربية وجدت أن ما جرى للدولة العباسية قبل سقوطها مشابه لما يجري الآن على الساحة العربية، وكأنما التاريخ يعيد نفسه، فكتبت هذه المسرحية من منظور تاريخي لواقع مؤلم»، بالتالي فإن العمل يطلع على أحداث الماضي من أجل تفسير الواقع وفهمه، حيث يعود سموه بالقارئ نحو الأحداث التي سبقت لحظة سقوط بغداد، والواقع الذي كانت تعيشه الخلافة العباسية آنذاك، حيث أدت السياسة المتخبطة وتكاثر الوصوليين والخونة، وتحكمهم في مفاصل الدولة، واستبعاد الرجال الصادقين الحريصين على الخلافة إلى سقوط الخلافة العباسية في عام 1258ه على يد القائد المغولي هولاكو، وأبرزت المسرحية الدور الذي لعبته المقاومة الحقيقية للغازي الغاشم.

وقد لقيت تلك المسرحية اهتماماً كبيراً من القراء والأكاديميين، ليس على مستوى العالم العربي فقط، بل وحول العالم كذلك؛ إذ نشرت مجلة «بوخارست ميتروبوليتان لايبراري»، الرومانية دراسة نقدية لها بعد أن ترجمت إلى اللغة الرومانية، وقدمت على خشبة المسرح في العاصمة الرومانية بوخارست خلال سبتمبر 2011، حيث رأت الناقدة مارسيلا جانيا الأستاذ المساعد في جامعة «آرتيفكس»، في بوخارست في المقال أن سموه يستخدم سقوط بغداد خلال عام 1258 على يد جيوش هولاكو حفيد جنكيز خان، للفت الانتباه إلى المخاطر الحالية المحدقة بالثقافة العربية التي تواجه الغزو الثقافي وغيره من العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر في القيم العربية الأصيلة، وأنه بذلك يطلق صرخة تحذير ويوجه دعوة لحماية القيم والمبادئ الأصيلة.

القضية

صدرت مسرحية «القضية»، في العام 2000، وهي من الأعمال المهمة التي تقدم غوصاً عميقاً في أحداث التاريخ من أجل مخاطبة قضايا الأمة الراهنة، حيث إن العمل يستلهم التاريخ العربي الإسلامي، ويستعرض من خلاله صاحب السمو حاكم الشارقة، تلك الوقائع التي دارت في تاريخ الأمة العربية والتي هي تشابه إلى حد كبير ما يحدث في الوقت الراهن من أحداث، والعمل بمثابة صيحة عالية ليقظة عربية إسلامية مطلوبة وحان وقتها، ويتناول فيها سموه فترة تاريخية غاية في الأهمية ويأتي بها إلى المعاصرة، وتعج هذه المسرحية بالشخصيات التاريخية والأحداث التي تجري عبر سنوات، وتقع في ثلاثة فصول.

وتبحث المسرحية في التاريخ العربي والإسلامي من خلال أحداث الأندلس في عصر ملوك الطوائف، وذلك عبر حوارية بازخة بين الشاهد و«صاحب القضية»، تلك التي تقدم تجوالاً رائعاً بين الماضي والحاضر، والعمل يقدم مرافعة رائعة ودروس محتشدة بالمعاني والعبر حول كيفية الاستفادة من التاريخ وإسقاط وقائعه ودروسه على الحاضر، ومن خلال المسرحيتين «عودة هولاكو»، و«القضية»، يلاحظ القارئ والمشاهد ذلك الاهتمام الكبير الذي يوليه سموه بالتاريخ ويكشف تأثيره على الراهن بصورة كبيرة، بالتالي فإن تلك الأعمال تحاول بقوة تفسير وقائع العصر عبر ذلك الاستدعاء الخلاق للتاريخ وأحداثه، وهذا ما يفعله سموه أيضا في مسرحية «الواقع طبق الصورة».

الواقع والصورة

وفي مسرحيته «الواقع طبق الصورة»، التي صدرت في العام 2001، يواصل صاحب السمو حاكم الشارقة فعل التنقيب في وقائع الماضي العربي والإسلامي عبر هذا العمل الذي يؤكد أن الأحداث الجسام التي تمر بها الأمة العربية في الوقت الراهن لها جذور في التاريخ، لذلك فإن سموه يقول في مدخل النص: «لقد مرت بالأمة الإسلامية فترات أشد قسوة مما نحن فيه، فلتكن هذه المسرحية واقعاً لعدم اليأس وحافزاً نحو التوحيد والنضال»، حيث تستعرض المسرحية تلك الشخصيات التاريخية والأحداث الكبيرة التي مرت على الأمة الإسلامية، وتجري المسرحية في ثلاثة فصول، ويتناول فيها سموه بعمق شديد القضية الفلسطينية، من خلال كتابة ناصعة ونابضة بالحياة تحرض على التفكير وتعلي من شأن الوعي. ويضعنا صاحب السمو حاكم الشارقة على صراع القوى في الماضي والوقت الراهن عبر مسرحيته «الإسكندر الأكبر»، التي صدرت في عام 2006، وتحمل مقدمة المسرحية كلمة مضيئة لسموه يقول فيها: «بعد قراءتي لأعظم ما كتب في التاريخ عن الإسكندر الأكبر استخلصت هذه المسرحية؛ لتكون صورة حيّة لصراع القوى قديماً وحديثاً وأينما كان».

المسرحية تحمل العبر وتستخلص دروس التاريخ، فما أشبه الليلة بالبارحة، فتلك الأحلام والطموحات غير المحدودة قادت الإسكندر إلى محاولة السيطرة على العالم ككل، وهي تفاصيل قريبة من المشهد العالمي الراهن في زمن ما بات يعرف بهيمنة القوى العظمى، ومحاولة صناعة تاريخ جديد من خلال رؤية أحادية، ولعل المسرحية تستشف وتستشرف مستقبل صراع هذه القوى ومصيره في الوقت الراهن بناءً على ما حدث، غير أن المسرحية لا تقدم ذلك الأمر بصورة مباشرة بل تحمل دعوة للقارئ في التأمل والتفكير فيه.

مصير الطغاة

وفي عام 2008 صدرت مسرحية «النمرود» والعمل يتناول بصورة أساسية الطغيان والظلم في العصور الماضية، فيما يشبه التقصي لجذوره التاريخية والعوامل والأسباب التي كوّنته، وبالتالي تصبح تلك السيرة بمثابة دروس تستوجب على البشر التوقف عندها طويلاً من أجل العبرة والاتعاظ حتى تتصالح البشرية مع جوهرها الإنساني، وتنعم بالسلام والتسامح، فالناظر إلى المشهد العالمي المعاصر لا شك في أنه سيلاحظ أن جميع الصراعات والحروب تندلع لذات الأسباب التي كانت في الماضي، كأن البشر لا يستفيدون من أخطائهم ويكررونها بصورة عبثية، بالتالي، فإن العمل هو بمثابة زيارة للتاريخ من أجل قراءة الحاضر بهدف العبرة، ولعل العظة الأساسية في هذا العمل هي تلك المتمثلة في كيفية موت النمرود، حيث قضت عليه حشرة ضئيلة من مخلوقات الله، بالتالي فإن من الحكم الكبيرة في هذا النص أن الإنسان مهما طغى في الأرض فإنه يظل ضعيفاً، كما أن النص يحض، ضمن دلالاته العديدة، على ضرورة الوحدة والتكاتف والتعاون الإنساني في مواجهة الظلم.

دروس وعبرصدرت مسرحية «طورغوت»، في العام 2011، وهي عمل يحمل رؤية تسلط الضوء على الإخفاقات ومكامن الخلل، وتقدم العبر والدروس، تأخذنا إلى الحاضر المرّ، لمواجهته، ولكي نتعلم من الماضي ونختبر قوتنا في ضوء ما عشناه، وتستقي المسرحية وقائعها من أحداث وصراعات القوى في حوض البحر الأبيض المتوسط، وتقع أحداثها في تونس، وكيف استطاع القائد البحري «طورغوت»، تخليص موانئ ومناطق عربية في الشمال الإفريقي من قبضة المستعمر ليتحول إلى بطل أسطوري تناقلت سيرته كثير من الروايات في بلاد المغرب العربي.

وفي العام 2015 عرضت مسرحية «علياء وعصام» وهي مسرحية شعرية لسموه، ونصها الأساسي للمسرحية هو قصيدة شعرية تروي حكاية قبيلة عربية بدوية اسمها «رولا»، في بادية بين حماة والشام، تعودت الترحل في البوادي وراء قطعان ماشيتها طلباً للكلأ والماء، حيث تروي المسرحية قصة الحب التي نشأت بين علياء وعصام، وما طرأ عليها بعد ذلك من المطالبة بالأخذ بالثأر، لتنتهي الحكاية بعد ذلك بنهاية مأساوية.

صدرت مسرحية داعش والغبراء في العام 2016، وتجري أحداثها في منطقة القصيم، حيث قبيلة غطفان بفرعيها عبس وذبيان، وذلك قبل خمسين عاماً من بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وتتحدث المسرحية عن أسباب الحرب الطويلة التي قامت بين بني عبس وبني ذبيان والتي استمرت لأربعين عاماً.

وإلى جانب الأعمال المسرحية، فقد رفد صاحب السمو حاكم الشارقة المكتبة بالدراسات والكتابات التي تبحث في تاريخ المسرح.

نقد التطرف

تتناول مسرحية «الحجر الأسود»، التي صدرت في عام 2012، أخطر القضايا التي واجهت الأمة العربية مؤخراً وهي قضية الإرهاب التي تعانيها الأمة كلها، وفي هذا العمل يعود صاحب السمو حاكم الشارقة ليحاصر الظاهرة في التاريخ الإسلامي، حيث إن المسرحية تنفتح على أحداث وقعت خلال نشاط القرامطة وصراعهم الطويل مع الدولة العباسية.

وفي العام 2018 صدرت مسرحية «كتاب الله.. الصراع بين النور والظلام»، تناولت المسرحية الصراع بين النور والظلام في محاولة لتسليط الضوء على الواقع الحاضر، حيث تناولت حال الأمة الإسلامية وتنازعها بين النور والظلام وشخصت واقع أمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وضرورة التمسك بكتاب الله تعالى، وفي هذه المسرحية يجسد صاحب السمو حاكم الشارقة، فكرة الصراع بين النورانيين الذين يحاولون تقديم صورة الإسلام الناصعة في وجه الظلاميين الذين يحاولون تشويه صورة الإسلام المشرقة.

رؤى إخراجية

تم تجسيد أعمال صاحب السمو حاكم الشارقة المسرحية على الخشبة برؤى إخراجية للعديد من الفنانين والمخرجين المسرحيين داخل الإمارات وخارجها على مستوى العالم خاصة بعد ترجمت تلك المسرحيات إلى لغات مختلفة وعرضت في أكبر المسارح العالمية، وحققت بالفعل واحداً من أهم أهدافها الفكرية وهي تغيير الصورة النمطية في الغرب عن الإسلام والمسلمين، وكذلك تصحيح الكثير من المفاهيم الزائفة والمعلومات التاريخية المغلوطة ولعل ترجمة تلك المسرحيات كان مسألة في غاية الأهمية لكونها لا تخاطب العرب والمسلمين فقط، بل العالم أجمع، والغرب بصورة خاصة.

الصورة
الصورة

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y4d4kzea

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"