عادي

الحي جلّ جلاله

23:12 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

من القواعد البدهية، أن تماثل الأسماء، لا يقتضي تماثل الصفات، فحينما نصف شخصاً ما بأنه قوي عليم قادر، فهذا الوصف هو من قبيل المجاز؛ إذ إن الصفات المطلقة في حقيقتها لا تنصرف إلا لله، جلَّ وعلا، فهو وحده ليس كمثله شيء، وهو مَنْ له الأسماء الحسنى، أما البشر فمهما أوتوا من علم أو قوة أو قدرة، فذلك كله محدود إما بزمانهم، وإما بمكان وجودهم؛ ذلك أن نشأة الإنسان مبنية على الضعف والعوز لغيره منذ ولادته، مروراً بجميع مراحل حياته إلى أن يفارق الدنيا.

من الصفات التي تطلق على الإنسان مجازاً صفة الحي، لكن هذه الصفة محددة بزمان ومكان، فمن حيث الزمان، يعيش الإنسان الفترة التي قضى الله له فيها الحياة، وبدهي أن حياة الإنسان محدودة؛ إذ إنها بدأت بالولادة فلا بد أن تنتهي بالموت، فكل ما كان له بداية فلا بد أن له نهاية ، ومن حيث المكان فإنه قد يلائمه مكان ما، لا يلائم غيره. كما أن وصف الإنسان بالحي لا ينفي عنه العجز، فقد يكون حياً وهو في حالة موت سريري، وقد يوصف بالحي، لكنه عاجز عن أداء أمور عدة، فصفة الحي إذا أُطلقت على الإنسان كانت صفة محدودة، ولا تعني القدرة المطلقة في كل ما تستلزمه هذه الكلمة.

أما اسم الحي إذا أطلق على الله، فمعناه أن له سبحانه الحياة الأزلية التي لا تنتهي بالموت، قال الطبري: «الحي الذي له الحياة الدائمة والبقاء الذي لا أول له بحد ولا آخر له بمد؛ إذ كل ما سواه فإنه وإن كان حياً فلحياته أول محدود وآخر ممدود ينقطع بانقطاع أمدها وينقضي بانقضاء غايتها».

وورد اسم الله الحي في أكثر من آية في كتاب الله، أبرزها في آية الكرسي «الله لا إله إلا هو الحيّ القيّوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض». واسم الله الحي يستلزم كمال الصفات فهو سبحانه ذو الحياة الكاملة بدليل «ال» التي تفيد الاستغراق، فالله الحي وحده وما دونه زائل، وهذا يبث في النفس الطمأنينة، فعندما يدرك المؤمن معنى اسم الله الحي، يعلم يقيناً أنه لن يظلم ولن يقهر، لأنه يعبد الحي الذي لا يموت، الحي الذي سيقتص ممن ظلمه ويذكر قوله تعالى ساعتئذ «وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً»، طه: 111. كما أن اسم الله الحي يرشد المؤمن إلى عدم اليأس والقنوط، فخالقه حي لا يموت له كل صفات الكمال والعظمة لا يعجزه شيء، ولا يغيب عنه شيء وهو من يهب الحياة لخلقه، فلا يملك أحد ذلك غير الحي سبحانه، وكل خلقه يستمدون حياتهم منه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/45a7yurn

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"