عادي

الصومال.. حرب مفتوحة ضد الإرهاب

22:32 مساء
قراءة 4 دقائق

د. أميره محمد عبدالحليم*

في إطار تنفيذه وعوده الانتخابية عمل الرئيس حسن شيخ محمود عقب وصوله إلى السلطة على تحقيق المعادلة الصعبة في الأمن الصومالي، حيث سعى نحو القضاء على تهديدات حركة الشباب الإرهابية أو الحد منها من ناحية، والدعوة إلى تدفق الاستثمارات الخارجية والتنمية في الدولة الصومالية التي تعيش حالة من التردي الاقتصادي منذ سقوط البلاد في دائرة الأزمات المتعددة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من ناحية أخرى.

حركة الشباب وفي محاولة للبقاء وإثبات الوجود على الأرض، صعدت من عملياتها وهجماتها الدموية التي تجاوزت الصراع مع القوات الأمنية والعسكرية لتصل إلى المدنيين خاصة مسؤولي الحكومة الصومالية والمنشآت العامة وأسفرت عن عشرات من القتلى والجرحى وتحولت أجزاء من المدن الصومالية إلى ساحة حرب، ما دفع الرئيس الصومالي إلى التعهد في اول بيان له موجه إلى الأمة في أغسطس 2022 بشن حرب شاملة للقضاء على حركة الشباب.

استراتيجية متعددة الأبعاد

تبنى الرئيس الصومالي استراتيجية متعددة الأبعاد، أعلن عنها في سبتمبر (أيلول) 2022 للقضاء على حركة الشباب، حيث تتضمن هذه الاستراتيجية مهام عسكرية وأمنية واسعة للقوات الصومالية بمساندة بعثة الاتحاد الإفريقي في البلاد، وكذلك الدعم الأمريكي خاصة بعد أن أعلنت الولايات المتحدة في مايو (أيار) 2022 إعادة نشر جنود أمريكيين في الصومال، فضلاً عن العديد من الميليشيات المدنية والمزارعين. حيث تعتمد الحكومة الصومالية في تنفيذها هذه الاستراتيجية على دعم العشائر الصومالية، وتستعين الحكومة بالميليشيات القبلية في وسط وجنوب الصومال، وسلّمتها كميات ضخمة من الأسلحة والمعدات.

بالإضافة إلى الأبعاد الفكرية والدينية عبر إعادة صياغة للخطاب الديني بما يحدّ من الفكر المتطرف، والتضييق الإعلامي على الحركة، خصوصاً عبر مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي، وإنشاء قناة تلفزيونية جديدة لهذا الهدف، وكذلك تحجيم القدرات الاقتصادية للحركة التي تتمتع بتمويل ذاتي عبر العديد من المصادر المحلية ومنها الاتجار غير المشروع في الفحم والضرائب التي تفرضها على السكان في المناطق التي تسيطر عليها. ووفق تقرير نشره معهد هيرال المتخصص في الشؤون الأمنية، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2022 يجبي مسلحو حركة الشباب نحو 15 مليون دولار في الشهر، ويأتي أكثر من نصف المبلغ من العاصمة مقديشو. وأورد التقرير أنّ الخوف والتهديد الحقيقي لحياة المواطنين هو الدافع الوحيد الذي يجعلهم يدفعون أموالاً لحركة الشباب.

كما استهدفت القوات الأمريكية عناصر الحركة خلال الشهور الأخيرة، فقد أعلنت القيادة الأمريكية في إفريقيا في بيان لها في شهر يناير (كانون الثاني) الجاري أن ضربة عسكرية أمريكية أدت إلى مقتل نحو 30 من مسلحي حركة الشباب بالقرب من بلدة جلعد وسط الصومال التي شهدت قتالاً عنيفاً بين الجيش الصومالي والإرهابيين.

ولا تزال الانتقادات تلاحق القرار الذي اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب بانسحاب القوات الأمريكية من الصومال (700 جندي)، حيث زاد هذا القرار من نفوذ حركة الشباب على الأرض، كما زاد من الأعباء على القوات الصومالية الوطنية، وكذلك القوة الصومالية الخاصة (داناب) أو (البرق) التي تولت القوات الأمريكية تدريبها لمواجهة حركة الشباب.

وفضلاً عن استهدافهم بالضربات والعقوبات أعلنت الخارجية الأمريكية في نوفمبر 2022 عن تخصيص عشرة ملايين دولار لمن يقدّم معلومات عن قادة حركة الشباب. وذلك رداً على سلسلة الهجمات التي نفذتها الحركة في الشهور الأخيرة خصوصاً في العاصمة مقديشو.

وقد تمكنت القوات الصومالية عبر الاستراتيجية المطروحة من تحقيق انتصارات ملحوظة خاصة في وسط الصومال حيث استعادت أراضي وبلدات كانت تسيطر عليها حركة الشباب.

تحديات المواجهة

في المقابل هناك العديد من التحديات التي تنتظر الحكومة الصومالية لاستكمال استراتيجيتها الشاملة لمكافحة حركة الشباب، فمن ناحية تحتاج القوات الصومالية الوطنية إلى مزيد من الدعم المادي والتدريبي في ظل عدم وجود أفق لانتهاء المعارك.

وبرغم الانتصارات التي تحققها قوات الجيش الصومالي وجهاز الأمن والاستخبارات بالتعاون مع الشركاء الدوليين، وتمكنها من السيطرة على مدن رئيسية كانت في قبضة حركة الشباب، فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الصومالية عبد الله عانود خلال الأيام الأخيرة، أن قوات بلاده سيطرت على إقليم هرشبيلي الفيدرالي المكون من مدينتي هيران وشبيلي الوسطى. كما أعلن الجيش الصومالي في 20 يناير (كانون الثاني) 2023 أنه استعاد السيطرة على منطقة «جناي عبدله» التي تبعد نحو 60 كيلو متراً عن غرب مدينة كسمايو وذلك بالتعاون مع القوات المحلية لحكومة جوبالاند.

إلا أن حركة الشباب لن تستسلم وتعلن سريعاً عن هزائمها، أو تفتح الطريق أمام حوار مع الحكومة الصومالية، بل من المتوقع أن تسعى إلى التصعيد من عملياتها الإرهابية النوعية للتأكيد على استمرار وجودها، وسوف تدعم قدرتها عبر التحالفات التي تجمعها مع عدد من العشائر والسكان المحليين في وسط وجنوب الصومال.

ومن ناحية أخرى، تتصاعد المخاوف من الأسلحة التي قدمتها الحكومة الصومالية للمتطوعين المحليين للاشتراك في المواجهات ضد حركة الشباب، حيث يشير البعض إلى إمكانية استخدام الميليشيات العشائرية هذه الأسلحة في تصفية الحسابات فيما بينها ما يحمل تهديدات جديدة للاستقرار في الصومال.

كما أن حركة الشباب تعمل على التنكيل بالعشائر التي تدعم الحكومة الصومالية في سعيها للقضاء على الإرهاب، حيث أطلق عناصر الحركة النار على الماشية في المناطق التي حررتها القوات الصومالية من قبضة الحركة ويمثل هذا الأمر نوعاً من العقاب الشديد للعشائر الصومالية، خاصة في ظل ظروف الجفاف وانعدام الأمن الغذائي التي تعاني منها أجزاء من وسط وجنوب الصومال خلال الشهور الأخيرة.

وفي حين تطالب منظمات إغاثية الحكومة في مقديشو بالإعلان رسمياً عن وجود مجاعة في البلاد، في سبيل جذب المساعدات الدولية والإنسانية لإنقاذ حياة الملايين، ترفض الحكومة ذلك خشية أن يقوِّض الإعلان مصداقيتها أمام الرأي العام، أو يمنع الاستثمارات الخارجية للصومال، وقد تستغل حركة الشباب حالة الضعف التي تعانى منها الحكومة في مواجهة الجفاف في استعادة سيطرتها على بعض المناطق.

* خبيرة الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4w8x4vrm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"