عادي

«الناتو الآسيوي» و«التحالف الأوراسي».. ضرورة أمنية أم حصاد لتسويق الخوف؟

01:03 صباحا
قراءة 8 دقائق
1

د. أيمن سمير

يرسم المشهد السياسي والأمني في شرق وجنوب شرق آسيا ومنطقة الأندو- باسيفك «معادلات جديدة» تؤسس لمرحلة مختلفة في مسيرة هذه المنطقة الشاسعة التي تمتعت، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بالهدوء والسلام، وتحقيق أعلى معدلات التنمية في العالم. فقد نجحت سياسة «تسويق الخوف» تجاه الآخر في دفع دول هذه المنطقة إلى تبنّي «مقاربات» غير مسبوقة من الشراكات والتحالفات والاصطفافات العسكرية والاقتصادية، والتي يمكن أن تصل الى مرحلة تشكيل «ناتو آسيوي» بقيادة الولايات المتحدة، وحلفائها الآسيويين، على غرار حلف دول شمال الأطلسي «الناتو»، الذي تأسس عام 1949.

1

«الاستجابة» الصينية والروسية لهذا «التحدي» جاءت سريعة، وذلك بتعزيز التعاون العسكري بين البلدين، فموسكو، وعلى لسان سكرتير الأمن القومي الروسي، نيكولاي باتروشيف، قالت إن الاتفاقيات العسكرية الجديدة التي تقودها وتقف خلفها واشنطن في آسيا، هدفها الوحيد مواجهة روسيا والصين عبر تأسيس «ناتو آسيوي»، على غرار الناتو الأطلسي، وهو التوصيف نفسه الذي أطلقه، كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية، في بداية العام الجديد، والذي قال فيه «إن الولايات المتحدة ماضية في تأسيس النسخة الآسيوية من الناتو»، فما هو حجم وطبيعة المتغيرات الجيوسياسية في شرق آسيا ومنطقة الإندو- باسيفك؟ وإلى أين وصلت الحشود العسكرية في تلك المنطقة التي يمر منها نحو 50 % من التجارة العالمية؟ وهل نحن أمام «ناتو آسيوي»، يقابله «تحالف أوراسي» يتشكل من روسيا والصين، وبعض الدول جنوب القوقاز؟

1

 منذ أن نشرت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، مقالها الشهير في عدد مايو/ أيار عام 2010 من مجلة «فورين بوليسي»، تحت عنوان «الاستدارة شرقاً»، بدأت الولايات المتحدة تغيّر استراتيجيتها في النظر لشرق آسيا ومنطقة الأندو- باسيفك باعتبارها ساحة «للمغانم والمغارم»، فالمغانم تبدأ بكون هذه المنطقة أصبحت «ورشة العالم» التي تقوم بتصنيع المواد والأجهزة التي تخلت الولايات المتحدة عن تصنيعها، لكن المغارم تقول إن الصين وروسيا تتحديان الهيمنة الأمريكية، وما تطلق عليه واشنطن «النظام القائم على القواعد»، ولهذا وصفت «الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي» في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2017 «الصين وروسيا» باعتبارهما «منافستين استراتيجيتين» للولايات المتحدة على الساحة الدولية، وكان هذا أكبر تحول في رؤية واشنطن للصين وروسيا في القرن الجديد، لأن كل استراتيجيات الأمن القومي منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 وحتى دخول الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني 2017، كانت تركز على مكافحة الإرهاب، وليس مواجهة الصين. وتكرر الأمر نفسه في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في عهد إدارة الرئيس الحالي، جو بايدن، والتي أعلنها في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتصف فيها الصين باعتبارها «المنافس الوحيد» لواشنطن في إعادة تشكيل النظام العالمي.

 هذا التحول في الرؤية الأمريكية أخذ سلسلة من الخطوات العملية لمواجهة الصين وروسيا في آسيا وصولاً لتشكيل سلسلة من التحالفات والمسارات التي تؤسس ل«ناتو آسيوي»، وفق الرؤية الصينية والروسية، عبر 3 مسارات رئيسية:

1

 أولاً: «إنتاج وتسويق الخوف» 

 وذلك من خلال وصف الولايات المتحدة لسلوك الصين تجاه جيرانها بأنه يقوم على «التنمّر السياسي»، وأن الصين قد تسلك السلوك العسكري الروسي في أوكرانيا تجاه جيرانها الآسيويين، ولهذا استثمر البيت الأبيض في تأجيج الخلافات الصينية مع عدد من جيرانها، وهم:

  1.  الخلاف الصيني مع اليابان حول جزر «سينكاكو» التي تسيطر عليها اليابان، وتقول الصين إنها جزء من أراضيها، كما تخشى اليابان سيطرة الصين على جزيرة تايوان ما يجعلها لا تبعد عن أقرب جزيرة يابانية سوى 100 ميل بحري فقط.
  2.   تنحاز الولايات المتحدة بشكل كامل، ومن دون أي شروط، للهند في صراعها على الحدود التي تبلغ 4 آلاف كلم مع الصين، وكثيراً ما تحدث اشتباكات بين حرس الحدود بين البلدين كان آخرها في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ودفعت حدة الخلافات الهندية الصينية حكومة نيودلهي للانضمام إلى تحالف «كواد» الرباعي الذي يضم أيضاً الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، وشجعت واشنطن كل الخطوات التي تقوم بها نيودلهي ضد الصين، بما فيها إعلان وزارة الدفاع الهندية في 13 يناير/ كانون الثاني الجاري، أنها سوف تنشر صواريخ قصيرة المدى لأول مرة على الحدود مع الصين.
  3.   تؤيد الولايات المتحدة مطالب 5 دول في بحر الصين الجنوبي، والدول الخمس هي: ماليزيا وسنغافورة وفيتنام والفلبين وبروناي، والتي تطالب بحقوق سيادية في بحر الصين الجنوبي، وهي حقوق ترفضها الصين التي تقوم ببناء جزر صناعية تبعد نحو 800 كلم من البر الصيني، مثل جزر سبارتلي.
  4.   تدعم الولايات المتحدة تايوان في خلافها مع الصين، خاصة الخلاف حول حقوق المرور في مضيق تايوان، ففي الوقت الذي تعتبره الصين مضيقاً صينياً، تصّر الولايات المتحدة على ما تسميه ب«حرية الملاحة» عبر مرور السفن الحربية الأمريكية والغربية في المضيق، كما أن دعم الولايات المتحدة السياسي والعسكري لتايوان من الملفات النادرة التي يجمع عليها الحزبان: الجمهوري والديمقراطي.
  5.   تدعم الولايات المتحدة أستراليا في خلافاتها مع الصين، وتتهم الصين بممارسة الإكراه الاقتصادي والاستغلال التكنولوجي في تعاملاتها مع أستراليا، ورغم مرور 50 عاماً على بدء العلاقات الدبلوماسية بين الصين وأستراليا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلا أن هناك مخاوف أسترالية من نمو البحرية الصينية التي تراها أستراليا بمثابة تهديد، رغم أن الصين لا تزال هي الشريك التجاري الأول لأستراليا، وهذه المخاوف الأسترالية السبب الرئيسي وراء انضمام أستراليا للتحالف العسكري «أوكوس» الذي تأسس في 15 سبتمبر/ أيلول 2021، ويضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.
  6.   تسعى الولايات المتحدة لتجديد «الاتفاقيات الأمنية» مع دول جزر المحيط الهادئ الذي تبلغ مساحته نحو 169.2 مليون كلم، ويشكل نحو 30% من مساحة المعمورة، بعد أن شعر البيت الأبيض بوجود تقارب بين الصين وبعض حكومات تلك الجزر، مثل جزر سليمان وميكرونيزيا ومارشال وماريانا وبالاو
4

 ثانياً: الحشد العسكري  

 كان من نتيجة «الاستثمار الطويل في التوتر» أن تحولت أغلبية دول شرق آسيا والمحيطين الهندي والهادئ، إلى شراء السلاح وانتهاج استراتيجيات عسكرية جديدة تقوم على تخصيص مليارات الدولارات للمشتريات العسكرية، وتغيير القوانين والدساتير التي كانت تقيد شراء السلاح في السابق، بل وصل الأمر إلى الحديث عن اقتناء الأسلحة النووية، وهي قضية كان الحديث فيها من المحرمات السياسية في دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وهناك عدد من صور الحشد العسكري، منها:

  1. تشكيل «التحالفات العسكرية الجديدة» في آسيا، ولعل أبرزها تحالف «أوكوس» الذي تأسس في 15 سبتمبر/ أيلول 2021، ويضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وبموجب هذا الاتفاق سوف تحصل أستراليا على غواصات نووية أمريكية لتصبح الدول الثانية في العالم التي لديها هذا النوع من الغواصات، بعد المملكة المتحدة، ويمتد هذا التحالف إلى الأسلحة الأسرع من الصوت، وقدرات الحرب الإلكترونية، إضافة إلى توسيع وتعميق التعاون في الابتكار الدفاعي بين الدول الثلاث، كما ستشيد الولايات المتحدة قواعد عسكرية في جنوب أستراليا، إضافة إلى توسيع القواعد العسكرية في شرق أستراليا، وتأكيداً على اهتمام البيت الأبيض بتحالف «الكواد» الذي تأسس في عام 2007  ويضم إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية كلاً من الهند واستراليا واليابان، حيث عقد الرئيس جو بايدن، أول لقاء له متعدد الأطراف بعد دخوله البيت الأبيض مع قادة «تحالف الكواد» في مارس/ آذار 2021، لكن الاجتماع الذي جرى في طوكيو لقادة «الكواد» كشف المدى البعيد للتنسيق الذي يجمع الدول الأربع التي يجمعها الخلاف الجيوساسي مع الصين، كما أن الولايات المتحدة حريصة على دعم تحالف «العيون الخمس» الذي يضم الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا، وهو تحالف بصبغة استخباراتية للوقوف أمام الصين.
  2. أقرت اليابان، لأول مرة في تاريخها، ميزانية عسكرية عملاقة بنحو 330 مليار دولار للسنوات الخمس المقبلة، وسوف تشتري من الولايات المتحدة 500 صاروخ باليستي من طراز «توماهوك»، وتصنيع طائرة نفاثة جديدة بالتعاون مع إيطاليا وبريطانيا، وهو أول تعاون في التصنيع العسكري بعيداً عن الولايات المتحدة، لكن القرار الأكثر أهمية هو اعتماد اليابان  لأول مرة منذ هزيمة الجيش الإمبراطوري الياباني في معركة أوكيناوا عام 1945 مبدأ «الضربة الجوابية»، رداً على أي خطر تتعرض له اليابان، أو أحد حلفائها، إضافة إلى بناء اليابان قاعدة عسكرية جديدة للطائرات الأمريكية في قاعدة «كاجوشيما»، وتوسيع «معاهدة الدفاع المشترك» التي سوف تضم مجالات عسكرية جديدة تتعلق بالفضاء والمركبات الانزلاقية.
  3. توقيع اليابان وبريطانيا في برج لندن «اتفاقية دفاعية» جديدة في 11 يناير/ كانون الثاني الجاري، والتي تسمح بدعم كل دولة للأخرى عن طريق «الاتفاق على الوصول المتبادل» لقوات البلدين للطرف الأخر.
  4. توقيع أستراليا واليابان في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي «اتفاقية أمنية» بهدف مواجهة «الصعود العسكري» للصين، وتبادل المعلومات الحساسة وتعزيز التعاون العسكري، وقال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا «إن الاتفاقية جاءت رداً على بيئة استراتيجية تزداد قسوة».
  5. إجراء أضخم مناورة عسكرية بين الولايات المتحدة والفلبين والتي يطلق عليها «تعاون محاربي البحر»، وتضمنت لأول مرة استخدام الذخيرة الحية وصواريخ «هيمارس» الأمريكية في جزيرة «بالاوان» غربي الفلبين، وهي منطقة تواجه بحر الصين الجنوبي الذي تختلف حوله كل من بيجين ومانيلا.

  ثالثاً: التحالفات الاقتصادية 

 وتمتد المتغيرات التي تلحق بشرق آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادي، والتي تؤسس «لناتو آسيوي» حتى من دون الإعلان عنه، وفق ما قالت وكالة تاس الروسية، إلى محاولة إبعاد الصين اقتصادياً عن جيرانها عبر إطلاق الرئيس جو بايدن في 12 مايو/ أيار 2021 «الإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادئ»، الذي يضم 12 دولة مع واشنطن، وهو يتحدى الصين في 4 مجالات حيوية، هي: سلاسل الإمداد، والطاقة النظيفة، والاقتصاد الرقمي، والأمن الغذائي، كما عقدت الولايات المتحدة اتفاقيات مع كوريا الجنوبية واليابان للتوسع في تصنيع الرقائق وأشباه الموصلات التي كانت تعتمد عليها في السابق بتوريدها من الصين.

  ورداً على الخطوات التي تقوم بها واشنطن وحلفاؤها عززت الصين قواتها البرية والبحرية والجوية، خاصة الصواريخ الأسرع من الصوت، والمركبات، كما أصبح لدى الصين اليوم 3 حاملات طائرات كان آخرها تدشين «فوجيان» التي جرى تصميمها بالكامل بأيدٍ صينية، لكن الصين وضعت مجموعة من الخطط لمواجهة الاندفاع الغربي حول حدودها من خلال 4 أوراق رئيسية، أولاها هي «التحالفات غير العلنية» عبر تعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري مع روسيا، وقد شهدت الفترة من 21 حتى 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إجراء أول مناورات روسية صينية مشتركة تضم الأفرع الثلاثة للقوات المسلحة: الجوية والبرية والبحرية، في البلدين، ما دفع الصحف الأمريكية لوصف الأمر كأنه «ناتو أوراسي» يجمع الصين وروسيا وكوريا الشمالية، رغم إصرار الصين على عدم تسمية ما يجري بالتحالف.

 وفي الورقة الثانية تصف الصين نفسها بالدولة التي ليس لها «مشروطية سياسية» عند التعاون مع الآخرين كبديل للولايات المتحدة التي تفرض شروطاً لا نهاية لها، لبيع السلاح أو التعاون العسكري، وتقوم الورقة الثالثة التي بيد الصين على تبنّي مبدأ «مبادرة مقابل مبادرة» التي تنافس بها بكين الاتفاقيات الأمريكية والبريطانية في شرق آسيا ومنطقة الاندو باسفيك، من خلال السعي لتوقيع اتفاقيات أمنية وعسكرية مع 10 دول في المحيط الهادئ، وفق المتحدث باسم الخارجية الصينية، وانغ ونبين.

 الورقة الرابعة التي تعتمد عليه الصين هي سياسة «الحدائق الخلفية» التي تقوم على تعزيز الصين لعلاقاتها مع أقاليم ومناطق كانت في السابق حصرية للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، مثل إفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث أصبحت الصين هي الشريك التجاري الأول لإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

 المؤكد أن شرق آسيا ومنطقة الأندو باسيفك تتغير، وأن هناك معادلات سياسية وعسكرية جديدة، وكلها تطورات تقتضي من الدول العربية متابعتها، فالعلاقات العربية مع جميع هذه الدول تقوم على الكثير من المصالح الآنية والمستقبلية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ur2rny8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"