جولة في مفارقات الذوق

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

أليست حاسة الذوق عجيبة؟ سؤال معقول، لولا أن لكل الحواس أبعاداً معنوية معرفية. تأمل الرأي والرؤية والرؤيا فهي من الفعل رأى. ألوان من الإدراك بالعقل والبصيرة والتجليات. السمع يعني أيضاً الفهم والإدراك وغيب الاستجابة الإلهية. السماع عند الصوفية لذّة موسيقية وراءها وجد وفناء في المشاهدة. الشم هو التمييز بين الروائح، ثم ينتقل إلى المعقولات، الشم السياسي إلى أن تلتقي في الشم الرؤية والتجلّي عند يعقوب: «ولمّا فَصلتِ العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف» (يوسف 94 ). أمّا اللمس فحسبك منه المحسوس والملموس، وللمستزيد في المعاجم المزيد.
الذوق أعجوبة فهو ذوّاق، يعزف على كل الأوتار المادية والمعنوية. من أبلغ الصور الآية الكريمة عن قرية: «فأذاقها الله لباس الجوع والخوف» (النحل 112)، مفارقات المدلولات الظاهرة أن يذوق الناس لباس الجوع ولباس الخوف. الذوق حاسة توسّعيّة، فالشخص المتميز بالأناقة ذوّاق، المرأة المتألق ديكور بيتها ذوّاقة، من لديه مكتبة موسيقية رائعة ذوّاق، من تتفنّن في انتقاء عطورها وتنسيق زهورها ذوّاقة. في عالم التصوف يقولون: الذوق أوّل مراتب الشهود، وعالم الشهود لديهم عالَم الشهادة.
تلك قطرة من بحر الذوق، لكن القلم أراد قول شيء خطر له غير مألوف، وإلاّ ففي جوجل أطنان عن الموضوع. غير المعهود هو: هل للمذاقات اللسانية موازيات معنوية في الذهن؟ في العالم العربي وبلدان الشرق الأوسط، لدينا استقصائية مذاقية، فذوقنا يريد أن يكون الشيء ملموس الحلاوة، الحموضة، الملوحة، الدسامة. إلى الثمار نضيف الملح أو الليمون أو السكر. في الشاي الصيني أنواع بديعة لا يتقبلها ذوقنا، لأنها تشبه الماء في لونها، وعطرها يكاد لا يُشمّ.
وصلنا إلى ما خطر للقلم البوح به. ألا يعني ذلك أننا ذهنياً وذوقياً لا تفتننا المجردات والتجريد؟ لا يستهوينا من الموسيقى إلاّ الطرب لهذا لم تتطور موسيقانا إلى مستويات الأفكار الموسيقية المجردة في آفاق الموسيقى السيمفونية. هي في ذوقنا بلا سكر، بلا شطة، بلا ملح. الموسيقى الجيدة عندنا تكون لها صفات قصعة المنسف وعليها جميد. الفلسفة لا تجتذبنا لأنها أفكار مجردة، ومثلها الرياضيات. العقل العربي حتى في الغزل له ذوق تجزيئي. القصيدة التشبيبيّة الكلاسيكية كأنها حصة تشريح في كلية الطب.
لزوم ما يلزم: النتيجة الشططية: لا تبالغ فتطالب المناهج بأنها مسؤولة أيضاً عن تشذيب الذوق العام.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4vv7sr7w

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"