زائدة كانت أم ناقصة

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

أيهما أصدق، ذاتك التي تراها أنت أم الصورة التي تعكسها مرايا الناس عنك؟ هناك أكثر من مرآة حولك، وكلما زاد رصيد معارفك أضيفت مرآة جديدة، فهل ترى نفسك فيها كما تحب أن تكون أم كما أنت بالفعل أم كما يراك الآخر ويرسمك في دفاتره؟ 
لست واحداً في كل مكان، مهما فعلت فأنت في الخارج أقرب إلى الصورة التي تحب أن يراك الآخرون فيها، والأمر بسيط، فكما أنك تختار أجمل ما لديك لترتديه حين تقرر الخروج من بيتك وتختار ما يناسب المكان الذي تقصده والمناسبة والأشخاص الذين ستلتقيهم، كذلك تلبس أجمل ما لديك من سلوكيات وتهذيب وتجمّل روحك وتضع تاج الحكمة فوق رأسك وتصير مثالياً في اللباقة وحسن الحوار واختيار الألفاظ.. وحين تعود إلى المنزل تخلع عنك كل ما تجملت به في الشكل والمضمون وتترك لنفسك العنان لتقول ما تشاء وتختلط الطباع بالتطبّع وتظهر عليك تشكيلة الأمزجة والسلوكيات التي صارت مزيجاً بين ما ولدت ونشأت عليه وما فرضته الظروف والعِشرة والأيام عليك. 
جميل أنت في عينيك، في قناعاتك، ترفض ما تراه في عيني الآخر وإن ساورك الشك أحياناً في أن ما يقوله «ربما» و«قد» و«لعله» يكون حقيقياً.. هل هذه ثقة بالنفس؟ أم كما يسمونها «ثقة زائدة»؟ وكيف تكون زائدة، ومتى تتراجع إلى حد النقصان؟ 
بين الثقة والغرور شعرة، وبين الغرور والعناد شعرة، أو ربما يكونان كالتوأم المتلاصق، يجمعهما رفض الاعتراف بما لا يعجب المرء وما يرفض تصديقه عن نفسه، ولكن، من قال إن ما يقوله الآخرون عنك لا بد أن يكون صحيحاً، فهل يعرفونك أكثر مما تعرف نفسك التي ولدت معك وشكلتها وطورتها وعلمتها ودربتها وسهرت على راحتها وأقلقتك وعذبتك وأبت أن تطاوعك في كل شيء وتمردت وانقلبت حتى بت لا تعرفها وكأنها غريبة عنك؟ هنا المفصل، وهنا الاختبار في قدرتك على التمييز. 
حين تعترف نفسك وتهمس لك في سرك بالحقيقة، تدرك أن كبرياءك عزيز عليك، يرتفع بك فوق مستوى الاعتراف بالخطأ، يهيئ لك الأسباب لتزيد من الكبرياء كبرياءً وتصر على عدم الاعتراف والإصرار على مواقفك، بل وتجميل وتبرير ما تقول وما تفعل. 
زائدة كانت أم ناقصة، فالثقة بالنفس لا تكون سليمة ومعافاة إلا حين تتمسك بالمصالحة مع الذات، تترفع عن الصغائر، تجمّل الأشياء، تصبر وترتقي، تبتسم وتنعم بالسكينة والسلام.. كل عناد وكل هروب يؤلم النفس قبل أن يوجع الآخرين.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3dum6udn

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"