عادي

ليبيا.. عودة إلى نقطة الصفر

22:28 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد فراج أبو النور*
دورة جديدة من الاتصالات المكثفة والتحركات والتطورات شهدتها الساحة الليبية خلال الأسابيع والأيام القليلة الماضية، بحثاً عن إمكانية إحداث ثغرة في جدار الانسداد السياسي القائم في البلاد.

بعض هذه التطورات يمثل جديداً مهمّاً مثل زيارة رئيس المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز إلى ليبيا واجتماعه بكل من المشير حفتر ورئيس الحكومة المنقضية ولايتها عبدالحميد الدبيبة. وهي أول زيارة لمسؤول أمريكي رفيع المستوى إلى ليبيا منذ عقود، الأمر الذي يشير إلى تصاعد لافت للاهتمام الأمريكي بالوضع فيها.

العودة إلى نقطة الصفر

غير أن تطورات أخرى هي من قبل الدوران داخل نفس الدائرة الشريرة، والعودة المتكررة إلى المربع الأول بعد كل تحرك يبدو أنه للأمام، على نهج ما شهدناه مراراً في ليبيا خلال السنوات الماضية.

فلم تكد تتبدد أصداء التصريحات المتفائلة حول قرب الاتفاق على «خريطة طريق» جديدة، بعد الاجتماع المطول بين رئيس البرلمان عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة خالد المشري في القاهرة (5 يناير الجاري) حتى عاد المشري بمجرد عودته إلى طرابلس لممارسة هوايته المفضلة في وضع التحفظات والتأويلات، والتراجع عن الاتفاقات، وبعد أن كان يصف الدبيبة بأنه العقبة الكبرى أمام التغيير والتسوية، عاد إلى التقارب معه، ثم جاءت زيارة رئيس المخابرات التركي هاكان فيدان الذي جمع بينهما في لقاء بمنزل الدبيبة- مع مسؤولين آخرين- لتعود الحياة إلى مجاريها بين المشري والدبيبة، ولتعود اللحمة إلى معسكر «الغرب الليبي» الموالي لتركيا، وتتسع المسافات مرة أخرى بين «الشرق» و«الغرب» أو بين طرابلس وبنغازي. ومع أنه ليس مستبعداً أن يلتقي عقيلة والمشري مرة أخرى- كما كان متفقاً عليه- إلا أن الآمال تتضاءل بشدة في إمكانية التعويل على أي اتفاق مع المشري، أو تحقيق تقدم- يمكن البناء عليه- نحو التسوية السياسية أو المصالحة الوطنية.

اهتمام أمريكي

ذكرنا من قبل أن زيارة رئيس المخابرات الأمريكية «بيرنز» إلى ليبيا هي أول زيارة لمسؤول أمريكي على هذا المستوى الرفيع إلى ليبيا منذ عقود، وكان تعامل واشنطن مع القضية الليبية خلال السنوات الأخيرة متروكاً للسفير والمبعوث الأمريكي في طرابلس «ريتشارد نورلاند» والمسؤولين في قوات «أفريكوم»، لكن ظروف التوتر الدولي الحاد، والمواجهة الجارية في أوكرانيا، وازدياد الحاجة إلى النفط والغاز الليبي كأحد البدائل المتاحة لإمدادات الطاقة الروسية، والمخاوف الأمريكية من وجود قوات «فاغنر» الروسية في ليبيا، وتصاعد نفوذ روسيا في دول الساحل والصحراء.. كلها اعتبارات أملت على واشنطن تصعيد مستوى اهتمامها واتصالاتها بالأطراف الليبية.

وتشير التصريحات الأمريكية الشحيحة إلى أن مسألة تحقيق الاستقرار، وضمان تدفق النفط الليبي، ووجود «فاغنر» كانت موضوعات للبحث مع حفتر. إلا أن واشنطن حرصت على إحاطة المحادثات بالتكتم حتى إن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية رفض التعليق على الزيارة.

كما تشير نفس التصريحات الشحيحة إلى أن بيرنز بحث مع الدبيبة أهمية الاستقرار وإجراء الانتخابات إلا أن من المنطقي أن نتوقع أن تكون المحادثات تطرقت إلى التعاون الأمني، وتسليم المطلوبين من رجال نظام القذافي، وعلى رأسهم عبد الله السنوسي (رئيس المخابرات الأسبق).. وهو الموضوع الذي أصبح معروفاً على نطاق واسع بعد تسليم الدبيبة ل«أبي عجيلة المريمي» إلى واشنطن.

حماية المصالح التركية

بديهي أن تكون محادثات رئيس المخابرات التركية «هاكان فيدان» مع الدبيبة قد شملت الجوانب الأمنية والعسكرية للعلاقات. لكن هذا لم يكن مطروحاً للإعلام.

أما القضيتان اللتان جرى تناولهما إعلامياً، فأولاهما تتعلق باتفاق التنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية، والمعروف باسم «مذكرة التفاهم».. ومعروف أنها تعرضت لانتقادات حادة من جانب البرلمان وعديد من القوى السياسية لافتقاد الدبيبة لشرعية عقدها أولاً، ولجوانب موضوعية في نصها. ثم أصدرت محكمة استئناف طرابلس حكماً بوقف تنفيذها لحين البت النهائي في مصيرها، وهو الحكم الذي أعلن الدبيبة أنه لن يلتزم به!! وهو ما أعلن تأكيده التزامه بالتعاون العسكري والأمني وترسيم الحدود البحرية، وكذلك بجميع الاتفاقات الموقعة مع تركيا.

أما القضية الثانية فهي المصالحة بين المشري والدبيبة وإعادة توحيد «معركة طرابلس» أو «الغرب الليبي» تحت العباءة التركية، لقطع الطريق على التقارب المتنامي مع رئيس البرلمان و«معسكر بنغازي» أو «الشرق الليبي» المدعوم عربياً، ومن ثم تكريس الانقسام، وإطالة عمر حكومة الدبيبة! ويلفت النظر هنا إلى جلسة المصالحة التي تم عقدها في منزل الدبيبة بحضور المشري، ونائب رئيس المجلس الرئاسي عبدالله اللافي.. والأهم هو حضور محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير. والحقيقة أنه لا يوجد سبب منطقي لوجود الأخير إلا إذا كان «لصفقة المصالحة» جوانب مالية. ومعروف أن «الكبير» هو ممول الميليشيات وحكومة الدبيبة من أموال الشعب الليبي وبعيداً عن أية رقابة برلمانية أو غيرها.

موقف عربي قوي

وسط هذه اللوحة القاتمة للمشهد الليبي خلال الأيام الأخيرة، إضافة إلى الموقف الذي اتخذته أغلبية الدول العربية برفض حضور اجتماع وزراء الخارجية العرب في طرابلس، والذي كان الدبيبة قد دعا إليه، باعتبار أن ليبيا هي رئيسة الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية، ولم يحضر الاجتماع سوى 7 دول هي «الجزائر وتونس والسودان وعمان وقطر وفلسطين وجزر القمر» بينما قاطعته بقية الدول العربية ال(22) وأمانة الجامعة. وهو موقف يعني سحب غطاء الشرعية العربية، أخيراً، عن حكومة الدبيبة، بعد أن كان البرلمان الليبي قد سبق وسحب الثقة منها منذ أكثر من عام. ويعني فرض عزلة عربية على تلك الحكومة غير الشرعية، تمهيداً لعزلها عالمياً وإسقاطها إذا ظل الموقف العربي متماسكاً، وإذا تحركت الدول العربية بفاعلية لتحقيق هذا الهدف الذي من شأنه أن يمثل بداية التحرك نحو تسوية سليمة، ذات بصمة عربية في ليبيا. غير أن هذا موضوع يحتاج إلى مناقشة مستقلة.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/8uacx3be

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"