مشهد من القرون الوسطى

00:25 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

يُذكّرنا المشهد البربري لحرق القرآن الكريم بحرق الكتب في العصور الوسطى، ويخبرنا التاريخ أن حرق الكتب وتدميرها وإتلافها لم يحدث إلا في لحظات أشبه ما تكون بالهمجية؛ اجتياح جيوش لمدينة ما تميزت بمكتباتها، قصف جوي طال المكتبات بالخطأ، أو رغبة في إيلام العدو من خلال ضربه في مصادر معرفته، محاكم تفتيش طاردت المفكرين وكتبهم، حزب حاكم مؤدلج ومتطرف أقام محرقة للكتب التي تتضمن رؤى تناقض سياساته، فعلها النازيون مع مئات الكتب. ويحدّثنا التاريخ مرة أخرى أن حرق الكتب أعقبه دائماً حكم ديكتاتوري مستبد، أو دخول الحضارة التي أحرقت الكتب إلى مرحلة أفول طويلة.

في عالم الأدب، هناك ثلاث روايات شهيرة، تناولت حرق الكتب أو تحريمها أو مصادرتها، بوصفها خطوات ميزت مجتمعات على حافة الهاوية. في روايته الشهيرة «فهرنهايت 451»، يصور الأمريكي براد بري مجتمعاً يجرم قراءة الكتب، وإذا عثرت السلطة على كتب لدى أحدهم سارعت إلى إحراقها ومحاكمة صاحبها، أما في «عالم جديد شجاع» لألدوس هكسلي فإن الكتب تختفي تماماً نظراً للتقدم التكنولوجي فائق الحداثة، بما ينعكس بالسلب على روح البشر، والذين يتحولون نتيجة لذلك إلى ما يشبه الآلات، وهو ما طرحه كذلك جورج أورويل في تحفته الشهيرة «1984» فنظام الأخ الأكبر المستبد لا يطيق الكتب ويعتبرها أداة للفهم والتفكير ومن ثم التمرد.

النتيجة أنه لا التاريخ ولا الأدب تطرقا إلى واقعة حرق الكتب في نظام ديمقراطي متقدم، ولم يخطر على بال بري أو هكسلي أو أورويل أن تقع هذه الحادثة في دولة مثل السويد أو هولندا في العقد الثالث من الألفية الثالثة، ومن المستحيل تخيل مؤرخ أو أديب يستعد لكتابة عمل يبرر فيه مسألة حرق الكتب من زاوية حرية التعبير، بل كان العكس هو الصحيح تماماً ودلالة على تراجع تلك الحرية إلى مستويات خطرة. وبالعودة إلى التاريخ مرة ثانية سنلاحظ كذلك أن معظم، إن لم يكن كل، حالات حرق الكتب لم يقم بها أفراد، وإنما حكومات وجيوش وأحزاب حاكمة.

لا يوجد كتاب على وجه الأرض يستحق الحرق، مهما احتوى من آراء يرفضها البعض، فما بالنا بكتاب مقدس يؤمن به أكثر من مليار إنسان. لقد قرأنا أن من حرق القرآن الكريم في السويد برر ذلك مرة برغبته في التعبير عن معاداته للمسلمين في بلاده، ومرة أخرى برغبته في التعبير عن رفضه لسياسات معينة، وهذه تبريرات لا تقنع أحداً، والحادثة تثير أسئلة عديدة يتقاطع فيها السياسي بالحضاري بالمجتمعي.

ونحن لا نتصور أن هذا المشهد بإمكانه أن يحدث في بلد من العالم الثالث تجاه أي كتاب، وحتى لو حصل أحدهم على تصريح بحرق كتاب ما، فهل سيقف الناس في الشارع يتفرجون عليه من دون رد فعل؟ وهل سيبرر البعض ذلك بأنه يقع تحت بند حرية التعبير؟ وماذا عن تنديد «العالم المتقدم» لحظتها بخصوص هذا الفعل البربري الظلامي؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2h6566p6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"