إيمان الهاشمي
لا تخف حين ينطلق تفكيرك بسرعةٍ هائلة، حين تنغمس في تحليل قضايا الدنيا الزائلة، أو تحاول تفسير بعض الأمورٍ المائلة، فهذه هبتك من الرحمن استثمرها بروحٍ متفائلة، ولذا لا بأس إن قمنا الآن بشرح معنى آلة «البيانو»! وما أدراك ماهية هذه «البيانو»؟ أهي مجرد صوت يصدر من الجماد؟ أم كائن حيّ يعيش هنا بين العباد؟ أي كأنها تحمل لقب «سيدة المفاتيح» ب88 مفتاحاً، 52 منها بيضاء و36 منها سوداء، لتثبت تفضيلها للون التفاؤل الأبيض، أكثر من ظلام التشاؤم الأسود، دون نكران وجوده في أجزائها! ودون إهماله بالرغم من أعبائها، باختصار البيانو أشبه بنموذج لدنيا مصغرة، في عالمٍ باتت فيه العيوب مكبرة! بعدد مفاتيح البيانو تماماً، عاش الموسيقي (زكي ناصيف) 88 عاماً، وفي أرشيفه أكثر من 1000 لحن وإلهام، وأكثر من 500 أغنية، صنع بها أجمل أمنية، امتلك أسلوباً مميزاً في التأليف، كاد يسمى أسلوب (ناصيف)، استعان بألوان الأزهار، والجبال والأنهار، فرسم الطبيعة من خلال نغماته، ليعيش كالطبيعة حتى بعد مماته، اعتمد الفولكلور اللبناني، ولم ينسَ الجانب الإنساني، عكس الصلة بين الإنسان والأرض بمشاعرٍ مرهفة وراقية، وسخّر الأهازيج التي لا ألحان لها بطريقةٍ زاهية، فبدلاً من أن يغني «الدلعونا»، استوحى منها «طلّوا حبابنا»، واحتفظ بنكهة الدبكة وطوّر أغلب الإيقاعات، وأدخل نوعاً جديداً في غناء الإذاعات، ووطّد بين خواص الإرث وأصل العلاقات، قدم من خلالها أروع الباقات، صاغ التراث بأنغامٍ حديثة ومعاصرة، ليرقص معها الفؤاد قبل الخاصرة.
حلّق (ناصيف) فوق بحر النغم كطائر النورس، فهو أول من جازف بعمل أغنياتٍ للكورس، عزز بذلك مهاراته في كتابة الجمل الموسيقية، في سبيل خدمة الخامة الصوتية. والجدير بالذكر أنه بدأ العزف دون دروسٍ حقيقية، ومن دون أي إلمامٍ بالقواعد والأصول اللحنية، وعندما اشتد عوده أخذ يغني في المطاعم الترفيهية، كسب حينها صداقات ووجوهاً فنية، إذ تعرّف إلى الموسيقيين إيليا بيضا وتوفيق الباشا وخليل مكنيّة، كما ألف مع الأخوين الرحباني وحليم الرومي والد الفنانة ماجدة الرومي ما سمّوه عصبة (الأربعة الموسيقية)، وفي الواقع لم يكن (زكي ناصيف) مهتماً بحياته الشخصية، فقد أولى سنوات عمره للفن بصورةٍ كلية، حيث إنه لم يتزوج مطلقاً، ومع ذلك ظل مشرقاً ومنطلقاً، ترى هل كان هذا خياره حقاً؟ وهل كان زواجه سيحدث فرقاً؟
الاسم: زكي ناصيف
التاريخ:
1916 – 2004 (88 سنة)
الجنسية: لبناني
النشاط: موسيقي
من أعماله: يا عاشقة الورد
