عادي
غطت الحرب العالمية الثانية وأزمة قناة السويس وكل الحروب

«هنا لندن» تتوقف بعد 85 عاماً من البث

17:59 مساء
قراءة 4 دقائق
لقاء فيروز
أحمد كمال سرور أول مذيع يقرأ نشرة بالمحطة عام 1938
الملك حسين خلال لقاء عام 1959
محمود المسلمي يذيع بيان التوقف

إعداد: مصطفى الزعبي

أنهت خدمة إذاعة «بي بي سي» العربية رسمياً بثها الذي استمر لعقود من الزمان، (85 عاماً)، الجمعة، تاركة وراءها إرثاً كبيراً من تغطية الأخبار باللغة العربية، منها الحرب العالمية الثانية، وأزمة قناة السويس، والعدوان الثلاثي عام 1956، الذي قامت به فرنسا وبريطانيا وإسرائيل على مصر، كما غطى مراسلوها معظم الأزمات وكل الحروب العربية- الإسرائيلية، إضافة للانتفاضات الفلسطينية وغزو العراق. وكانت «بي بي سي عربية» أجرت العديد من اللقاءات مع الفنانين والسياسيين والزعماء العرب، من بينهم الملك الراحل حسين ملكة الأردن عام 1959، والمغنية اللبنانية فيروز.

وأطلقت المحطة بثها باللغة العربية في الثالث من يناير/كانون الثاني عام 1938 كأول بث إذاعي بلغة أجنبية، وبعد 16 عاماً من رحلتها وشهرتها بالعالم، 22 أكتوبر/تشرين الأول 1922 بالعاصمة لندن، ويعمل فيها حالياً أكثر من 22 ألف شخص.

وكانت العبارة الشهيرة للمؤسسة الإعلامية «هذه لندن».

وبدأ مذيع الأخبار أحمد كمال سرور البث الأول ببرنامج «هذه لندن.. سيداتي سادتي نبث من لندن باللغة العربية لأول مرة في التاريخ».

وانضم لسرور في تقديم المواد الإذاعية حسن الكرمي صاحب برنامج «قول على قول»، وعيسى الصباغ في التحليلات السياسية.

ولجأ العديد من الصحفيين والشخصيات العامة إلى «تويتر» للتعبير عن حزنهم ومشاركة الذكريات الجميلة لمحطة إذاعة «بي بي سي العربية»، ويعتقد البعض أن الحدث يمثل انخفاضاً في القوة الناعمة للمملكة المتحدة، بينما تذكر آخرون أيامهم في الاستوديوهات.

وكتبت مراسلة بي بي سي العربية في مصر سالي نبيل على موقع «تويتر»: «إنه أمر محزن ومؤلم للغاية أن نرى إغلاق إذاعة بي بي سي العربية اليوم، ومن الصعب للغاية وصف ما نشعر به».

وقالت أمل المدللي، المندوبة الدائمة السابقة للبنان لدى الأمم المتحدة: «بصفتي شخصاً يعمل في بي بي سي العربية، ما زلت أعاني من فهم قرار الإيقاف».

يبدو أن الكلمات الأخيرة وبيان التوقيع لمذيع إذاعة «بي بي سي» العربية محمود المسلمي، «هنا لندن» (هذه لندن)، جلبت الدموع إلى أعين الكثيرين، على حد وصف الكثير من المتابعين.

كتبت ابنة المسلمي، أوشا، نشأت وأنا أستمع إلى والدي يقدم على بي بي سي عربية، والآن ها هو يقدم الساعة الأخيرة من بي بي سي العربية قبل إغلاقها وإيقافها، وإنها نهاية الحقبة.

أزمة مالية

اتخذت هيئة البث القرار في سبتمبر/أيلول الماضي مدفوعة بالأزمة المالية المستمرة في بريطانيا وارتفاع معدلات التضخم، وزيادة المصروفات دفعها إلى اتخاذ قرارات صعبة بإغلاق البث العربي، وتسريح مئات العاملين.

وأدى ذلك إلى حدوث صدمة في الوسط، مما أثار تساؤلات حول ما يخبئه المستقبل للبث الإذاعي، إذا كان هذا ناتجاً عن أسباب اقتصادية بحتة، أم أنه تغيير في قلب وسائل الإعلام البريطانية مع صعود روسيا والصين.

كان عام 2014 نقطة تحول؛ حيث لم يعد تمويل البث العربي من اختصاص الوزارة، ولكنه انضم إلى بقية البث ضمن شريحة ضريبة التلفزيون.

وأعرب الصحفي المعتمد بالبيت الأبيض والمراسل السابق للبي بي سي في واشنطن العاصمة، عاطف عبد الجواد، عن حزنه الشديد لهذه الأنباء، وعزا إغلاق البث باللغة العربية إلى الأزمة المالية الحالية في بريطانيا، خاصة أن البث يرفض الإعلانات التي تدرّ عائدات.

وفي اتصال هاتفي مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) نقل عبد الجواد قصة إعلانه عن الغزو العراقي للكويت عام 1990؛ حيث تلقى أنباء مؤكدة عن تحرك القوات العراقية نحو الكويت وبثها النبأ على الفور.

وقال محمود المسلمي الذي أعلن صوته ظهر اليوم لوكالة الأنباء الكويتية (كونا)، إنه لن ينسى اليوم الذي بث فيه تفجير مركز التجارة العالمي.

وأعرب المسلمي عن بالغ أسفه لإغلاق الخدمة العربية، مذكراً بدورها المحوري في تشكيل الصحفيين وصقل مهاراتهم وغرس روح الموضوعية والدقة في نفوسهم.

أما نور الدين رزوقي، المقدم ذو الصوت اللحني، فقد تحدث عن الحنين الذي يشعر به للراديو وحزنه على الإغلاق.

وتحدث رزوقي الإعلامي ومقدم برنامج نقطة حوار في قناة بي بي سي العربية عن إعجابه عن التجربة الديمقراطية التقدمية التي جعلتهم قادرين على تغطية الأخبار دون قيود.

وقال محمد العجمي من بي بي سي الكويت لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) الذي بث خبر إطلاق الصاروخ العراقي على الكويت عام 2003 باعتباره أول من نقل الخبر للعالم. وتأثر العجمي بشدة بإغلاق الخدمة العربية.

استبدال البث

يثير هذا الإغلاق تساؤلات حول ما إذا كانت التكنولوجيا تعمل على تغيير وجه وسائل الإعلام، وما إذا كان سيتم استبدال البث التقليدي بالبث الرقمي.

تؤكد مؤشرات «بي بي سي» أن البث الإذاعي لا يزال يقف في تحدٍّ للعصر؛ حيث يقوم الملايين في جميع أنحاء العالم بتشغيل أجهزة راديو السيارة التي تستمع إلى الألحان الموسيقية أو الأصوات التي تبث أخبار العالم الصعبة.

وصرح أحمد الشيخ، صحفي سابق في «بي بي سي» وخبير في الإعلام الرقمي، أنه لا يمكن التعميم على تحول البث، حيث إن المعايير لا تقتصر على التكنولوجيا، بل تتوقف على تفضيل المستمعين، على التوزيع الجغرافي والسلوكيات والقدرات.

وشارك جاك موني، المسؤول الفني الرئيسي في بي بي سي نيوز، مقطع فيديو يظهر اللحظات الأخيرة عندما توقفت شبكة الأخبار العربية عن البث، بينما كتب منتج الصوت توم رولز: «سأعتز دائماً بسحر الجلوس في استوديو صغير الساعة الثالثة صباحاً بتوقيت لندن، وأنا أنظر للشمس تشرق، وأتساءل عن حياة أولئك الذين يراقبونها».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ynt3fzc4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"