عادي

2023 يطفئ وهج السيولة الوفيرة.. «الأموال الرخيصة» ضحية التضخم والفائدة

22:16 مساء
قراءة 4 دقائق
إعداد: هشام مدخنة

من الأسهم إلى السندات، ومن العقارات إلى العملات المشفرة، لم يسلم أي ركن من أركان التمويل من فوضى أسعار الفائدة لعام 2022. وساهم المال الرخيص، وهو صفة شائعة من صفات التمويل بمعدل فائدة منخفض وأداة مؤثرة بشكل كبير من أدواته، بحدوث طفرة في الثروة ومضاربات في التداولات وازدهار في الاستثمارات «السخيفة» مثل أسهم الميم والصور الرقمية للقرود الكرتونية.

وبعد أن صالت الأموال الرخيصة على مدى 14 عاماً وجالت في فضاء عالم الأعمال، ونجت من شقيقتها «الباهظة الثمن» نسبياً، أتى عام 2023 ليخطّ رسمياً شهادة وفاتها وبشكل مفاجئ.

حداد عام

تُعزى الوفاة بعد تشريح الحالة إلى ارتفاع التضخم في أسعار المستهلكين الذي أجبر البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم على رفع أسعار الفائدة بقوة إلى أعلى مستوياتها في عقد ونصف. وحزن عالم المال بشدة على فقدان الأموال الرخيصة، وكان الحزن الأكبر في سوق الأسهم الأمريكية، التي شهدت أسوأ انخفاض لها منذ عام 2008 وسط اختفاء ما أصبح يعرف باسم «وضع الاحتياطي الفيدرالي»: وهو الاعتقاد بأن الفيدرالي مستعد دوماً للإنقاذ بسياسة أكثر وداً للسوق في حال تراجعت الأسهم.

وتسبب فقدان الأموال الرخيصة بحزن مماثل في سوق السندات، حيث كان إجمالي العوائد هو الأكثر سلبية على الإطلاق. وحتى الأوراق المالية المحمية من التضخم بوزارة الخزانة، أي السندات المعروفة باسم TIPS المسؤولة عن حماية مستثمري التجزئة من الضرر الذي يلحقه التضخم بالمدخرات، فقدت ما يقرب من 12% من قيمتها في عام 2022. ليصل اليأس أخيراً إلى عمق سوق العملات المشفرة، الذي نزف 70% من قيمته العام الماضي.

الآن بعد دخولنا عاماً جديداً، من الواضح أن الحزن سيستمر في وقت يواجه فيه المحترفون الماليون والهواة على حد سواء نظاماً استثمارياً جديداً، لم يسبق له مثيل من قبل. وعلى الرغم من أن معظم البنوك المركزية في العالم أوشكت على الانتهاء من رفع أسعار الفائدة، إلا أن التأثير الجديد للأموال باهظة الثمن بدأ لتوه في زعزعة أسس العالم المالي. وبالنسبة للمشاركين الجدد في السوق، سيكون عام 2023 أول عام كامل من التنقل في مناخ لا يهيمن عليه الوهج الحاد للأموال الرخيصة والسيولة الوفيرة.

  • الإسكان والأسهم

تدهور سوق الإسكان في الولايات المتحدة بالفعل بعد أن تضاعفت معدلات الرهن العقاري العام الماضي، مع انخفاض مبيعات المنازل الجديدة من ذروة تجاوزت المليون وحدة في الشهر في أغسطس/ آب 2020 إلى 640 ألفاً في نوفمبر/ تشرين الثاني، كما انخفضت مبيعات المنازل القائمة الشهرية بمقدار الثلث. وقد يكون هذا بداية الألم فقط في قطاع الإسكان، حيث من المتوقع أن تسجل أسعار المساكن انخفاضاً لمدة عام كامل في 2023 لأول مرة منذ أكثر من عقد.

بالتوازي مع موت الأموال الرخيصة جاء زوال ال «TINA»، وهي التعويذة التي تعني أنه «لا يوجد بديل» للأسهم عندما تكون أسعار الفائدة في الحضيض. فمن المتوقع على نطاق واسع أن يستمر التخارج من الأسهم مع تقلبات الأسعار على الأقل في النصف الأول من عام 2023. ويتوقع استراتيجيو وول ستريت أن يُنهي المتوسط التقديري لمؤشر «إس آند بي»، والذي تتبعه «بلومبيرغ»، عام 2023 عند 4078 نقطة، أعلى بنسبة 6% تقريباً للسنة. ومع ذلك، لن يؤدي هذا المكسب إلا إلى إعادة المؤشر إلى ما كان عليه في بداية ديسمبر/ كانون الأول 2022.

  • السندات والانخفاض التاريخي

يُنظر إلى العائدات الفضفاضة التي تقدم الآن بديلاً جيداً للأسهم على أنها نتيجة المذبحة التي حصلت في سوق السندات العام الماضي، والتي لم تحصل في التاريخ الحديث. فمنذ بدايته في عام 1974، لم يشهد مؤشر «بلومبيرغ لسندات الخزانة الأمريكية» سوى ست سنوات فقط من الانخفاض، اثنان منها في عامي 2021 و2022، وهي الخسارة السنوية المتتالية الوحيدة له. وكان العام الماضي من بين الأسوأ على الإطلاق، حيث انخفض السوق بنسبة 12% وأكثر من ثلاثة أضعاف حجم العام السابق السيئ أيضاً.

أما مؤشر «بلومبيرغ الأمريكي المجمع»، الذي يتضمن أيضاً سندات الشركات من الوزن الثقيل، وكذلك الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري والأصول، فقد شهد خمس سنوات فقط من الانخفاض منذ عام 1977، منها 13% انخفاضاً في عام 2022 وحده.

مع ذلك، تبدو سندات الشركات ذات التقييم الاستثماري القوي، والتي تصل الآن عائداتها المرنة إلى ما يقرب من 6%، جذابة بشكل خاص بالنظر إلى أنها معزولة نسبياً عن الانكماش الاقتصادي، بحسب وصف «غولدمان ساكس». في حين يتوقع «بنك أوف أمريكا» عوائد إجمالية تبلغ حوالي 9% لتلك الفئة هذا العام.

يقول محللو وول ستريت إنه إلى جانب المخاطر الجديدة التي ستجلبها أسعار الفائدة المرتفعة في عام 2023، هناك بعض الفرص المتمثلة بعوائد السندات، والتي تضيف ثقلاً أكبر من الأصول ذات الدخل الثابت إلى سلة المستثمرين مقارنة بالسنوات الماضية. وكتب الاستراتيجيون في شركة الخدمات المصرفية الاستثمارية «يو بي إس» في مذكرة استشرافية، بأنه قد حان الوقت لإعادة التفكير في الاستراتيجيات التقليدية كالاحتفاظ ب 60% من الاستثمارات في الأسهم و40% في السندات، مؤيدين فكرة أن تكون النسبة الجديدة في المحفظة أقرب إلى 35% للأسهم مقابل 65% للسندات.

اليوم، ومع توقع ظهور تأثيرات رفع أسعار الفائدة في النصف الأول من العام الجديد، بات الإجماع أكبر على أن الاقتصاد سوف يخبو وأن التضخم سيعود إلى القرب من مستوياته، إن لم يعد بالكامل إلى هدف الفيدرالي المريح عند 2%. لكن هذا لا يعني بالضرورة ولادة جديدة ل «الأموال الرخيصة» وكل ما يأتي معها. لذا، ربما تكون الأموال الرخيصة قد ماتت في عام 2022، لكن التقارير عن موت الأسهم مبالغ فيها إلى حد كبير.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3uyeev4j

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"