أمطار الحب

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

تغسل أرواحنا مما علق بها، وتتورد وجوهنا، ألقاً، اطمئناناً وفرحاً، نصبح كالأطفال نلعب ونبتل، نسائل الغيم ونخبره عن «حواديت» مرت في طفولتنا، مع جيراننا الأطفال، وكيف أن المطر المنهمر هو حياة بعد جفاف، وهو الارتواء بعد الظمأ، وهو السعادة التي تجعلنا نقفز فرحاً، ونتشدق بسعادة لا توصف، هو الرحمة والدعاء، السلام والسكينة، وهو مع صوت قطرات الماء اهتداء لنعمة أخرى يعطينا إياها الله، التفكر بما حولنا، ومن حولنا وبأنفسنا، وما يسعدنا.
وأخبرك، بعد صوت برق ورعد في السماء أنارها ليلاً، هل قلبك بخير؟ هل تعرف حقاً من تكون، كانت لحظات خاصة، عرفت أنك لا تحتاج إلا لنفسك لتفرح، لم تكن كل مباهج الحياة مطلوبة في تلك الساعات التي كنت فيها أنت والمطر، أنت ورمال الصحراء، أنت وعائلتك، أنت ونفسك وكفى، صورة الحياة الحقيقية التي أخذتنا منها المباهج، وضوضاء المدن، صورة الراحة التي ننشدها في كل الدنيا وهي بين يدينا، كم تأملنا في تلك الأيام، كم اهتدينا وسلمنا لحال التأمل والسلام والتفكر في كل ما حولنا، كم سعدنا بأبسط التفاصيل وأبسط وجبات الطعام، كم أبهجتنا المباني المبتلة التي غسلت بالحب وتلاشى عنا غبار الوقت، وأنت تنظر للسماء، أغمضت عينك مراراً وقلت الحمد لله مرة بعد مرة، الحمد لله على الصحة، العافية، الأمن، الأمان، متعة النظر لفوق والانتشاء بزخات المطر، متعة الحب حولك وفي داخلك، أمطار الحب والوله والاشتياق والسؤال عنك قبل الكل.
 متعة الحصول على وجبة ساخنة في ساعات الفرح هذه، متعة التجرد من عمرك، والاندماج بكل صغيرة كانت تشبهك، بملابسك المبتلة، بصوت انتفاضة البرد في داخلك، بدفء ملابسك، بخروجك دون مظلة، بيقينك أن هناك ما يفوتك، باستعدادك وبتساهلك، بتنازلك عن الحدة، والقلق، والتفكير المفرط، بتخليك عن التخطيط المقيد، وبتجردك من أعباء الوقت حتى تصبح حراً تعيش اللحظة بأدق ما فيها من ثوان.
ويخبرك الذي أنت تحمله في داخلك، قلبك، مع كل قطرة مطر أنك بخير الآن، وأن ما تبحث عنه يقبع فيك، في هدوئك واستسلامك لكل شيء، تخليك عن كل شيء إلا عنك، كم مرة بكت روحك وأنت تحت المطر؟ بكاء حب وارتياح، وكم مرة رفعت كفيك تحمد الله وتدعو لمن فارقك بيقين الرحمة؟ كم مرة استعدت ذاكرتك ولفظت أسماء من تحب؟ كم مرة ابتسمت بينك وبين نفسك وأنت تذكر ما بينك وبين الله، لا يعلمه غيره؟ كم مرة تنهدت وشهقت وقلت «أنا بخير»؟ وكم مرة تحدث نفسك عن كل تلك الأثقال وتتفاجأ بأنك تبالغ؟ أمطار الحب هذه هي سعادة الارتواء، سعادة الصفاء، سعادة السكينة، وهي الساعات التي ننتظرها دونما ملل.. حلق للسماء وقل «الحمد لله».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/k96dk86h

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"