جرائم الكراهية المتكررة

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

يؤشر توالي عمليات الإساءة للقرآن الكريم، وحرق نسخ منه في السويد وهولندا والدانمارك على أيدي متطرفين إلى تشكل موجة كراهية مقيتة، تسعى إلى نسف كل المشتركات الإنسانية وأسس التعايش بين الحضارات والثقافات، كما تضرب أساساً راسخاً في العلاقات البشرية، يقضي باحترام الأديان ورموزها، واعتبار تدنيسها والإساءة إليها، انتهاكاً لا يغتفر، لأن الدين من أخص خصائص الإنسان.

الممارسات المدانة بحق المصحف الشريف التي ارتكبها المتطرف الدانماركي- السويدي راسموس بالودان، وزعيم جماعة بيجيدا المتطرفة في هولندا إدوين واجنسفيلد، لا تؤجج الكراهية، وتستفز مشاعر مئات ملايين المسلمين فحسب؛ بل تكشف عن وضاعة أخلاقية وسياسية لدى بعض القوى المتطرفة في أوروبا، كما تدين مواقف بعض الحكومات الغربية التي لم تتحرك بما يلزم، لوقف هذه التجاوزات السافرة، وما زالت تصر على أنها تصرفات في نطاق «حرية التعبير»، وبئس هذه الحرية إذا لم ترع حرمة لمقدس، ولم تكن لديها أخلاق وضوابط وحدود يجرّم تجاوزها، خصوصاً ما يتعلق منها بالأديان والرموز الاجتماعية والوطنية، وبعناصر هوية أي شعب وأمة في الدائرة الإنسانية.

تكرار الإساءة إلى القرآن الكريم، ليس فعلاً طائشاً أو وليد اليوم، والإصرار على حرق نسخ منه في ثلاث جمع متتالية، وقبلها مرات عدة في السنوات الماضية، يعكس خطاً استفزازياً خطراً لا يمكن تبريره أو التقليل من شأنه. ونظراً لفداحته وخطورة تداعياته، يتطلب الأمر تحركاً دولياً عاجلاً، لإطفاء جمرة الكراهية التي ينفخ فيها المتطرفون بكل أدوات الاستفزاز. فالأديان السماوية يجب أن تبقى فوق الخلافات والتباينات، معصومة بقداستها عن المس بها أو الاستخفاف بأتباعها أينما كانوا.

على مدى التاريخ كان التطرف صانع الحروب وهادم الحضارات، وعالم اليوم، لا سيما في هذا الظرف، بحاجة إلى التهدئة والحوار بين المجتمعات والأديان والثقافات، وليس هناك من خيار غير التعايش المشترك، لتتجاوز البشرية محنها المتراكمة وأزماتها التي تتناسل من التدهور المروع في مجالات عدة. ولا يمكن أن تحل هذه القضايا بالتصعيد والتهجم على الآخرين؛ بل بالتمسك بكل ما يجمع الإنسانية من قيم ومبادئ ومصالح، وإذا زاغت الجهود عن هذا النهج، فالنتيجة ستكون لمصلحة المتطرفين من دعاة الفتن والفرقة بين الشعوب، لا سيما أن التجارب السابقة أثبتت أن زرع الكراهية والبغضاء، حصاده هشيم، وعاقبته وخيمة على الجميع من دون استثناء أو تمييز.

الإساءة إلى القرآن الكريم وكل الرموز الدينية، فعل من أفعال الإرهاب، وجريمة كراهية بشعة، تستوجب الملاحقة والردع حتى لا تتكرر وتصبح استهانة بلا رد. وتشبثاً بمبادئ السلم وروح الأخوة الإنسانية، يجب على الحكومات الغربية أن تستمع إلى النداءات الداعية إلى تجريم المساس بالأديان، واعتبار الاعتداء على أحدها استهدافاً لجميعها. فالاستمرار في هذا الطريق وعدم تصحيحه، سيعزز الانقسام والتقوقع، ويدمر قيم الخير التي دافع عنها الصالحون والحكماء، ويعيد البشرية قروناً إلى الوراء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4jdbfftu

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"