عادي

قارئ الجثث.. مذكرات طبيب شرعي

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
  • حكايات مثيرة حول جرائم القتل والانتحار

القاهرة: «الخليج»

يتناول كتاب «قارئ الجثث» لسيدني سميث (1884 – 1969) ترجمة مصطفى عبيد، مذكرات طبيب تشريح بريطاني في مصر الملكية. الكتاب مهم ولافت، لما يتضمنه من فصول كاشفة حول بعض الجرائم التاريخية في مصر، وثانياً لما يحتويه من حكايات مثيرة من أماكن أخرى، خارج مصر، حول جرائم القتل والانتحار ودور الطب الشرعي في كشفها، إنه هواية يمكن أن تسميها النبش في الدفاتر القديمة.

أصدر عبيد من قبل ترجمة لمذكرات توماس راسل حكمدار القاهرة، الذي عاش في مصر طوال الفترة من 1902 إلى 1946 وكان شاهداً على وقائع الجريمة في مصر. توقف عبيد عند كثير من الإشارات التي قدمها راسل لكتب وشهادات لموظفين كبار قدموا من إنجلترا، وعملوا بمختلف القطاعات في مصر، خلال فترة الاحتلال الإنجليزي، وكان من بين إشارات راسل حديثه عن كبار خبراء الطب الشرعي في إنجلترا وزياراتهم المتكررة لمصر، في بدايات القرن العشرين، وكيف وجدوا بها حقلاً نموذجياً للتجارب والخبرات، نتيجة تنوع الجرائم وتعدد أساليب القتل، ذاكراً أسماء بعض الأطباء الشرعيين العظام، مثل سيدني سميث.

يقول عبيد في تقديمه لترجمة «قارئ الجثث»: إذا كان اسم سيدني سميث معروفاً للعاملين في مجال الطب الشرعي المصري باعتباره أحد مؤسسي مصلحة الطب الشرعي سنة 1927، كما أنه شارك طبيباً مصرياً في إصدار أول كتاب حديث باللغة العربية عن الطب الشرعي سنة 1924، فإن جمهور الثقافة العادي في حاجة للتعرف إلى حكاياته الواقعية عن عالم الجريمة في مصر والعالم.

قضى سيدني سميث في مصر أحد عشر عاماً في النصف الأول من القرن العشرين، ثم سافر لاستكمال تجاربه في مجال الكشف عن الجرائم من خلال الطب الشرعي في إيرلندا وأسكتلندا وأستراليا وسيلان، وقدم عنها شهادات أخرى، وترك مذكرات جمعت كافة الشهادات وحملت عنوان «على الأرجح.. قتل» وصدرت سنة 1959. ومثلها مثل كثير من شهادات الخبراء والأساتذة الإنجليز في مصر إبان الاحتلال، فقد نالت مذكرات الرجل نظرة الارتياب والرفض المسبق من الباحثين في ظل فورة تحرر مصر من الاحتلال، وما تلا ذلك من مقاطعة وطنية لكل ما هو إنجليزي، بما في ذلك البحث العلمي.

هكذا لم تتم ترجمة مذكرات الرجل رغم أن نصفها على الأقل يتحدث عن عالم الجريمة وطرق القتل وظواهر التسمم الجنائية، بل وجرائم شهيرة مثل ريا وسكينة، وقضية اغتيال السردار، وغيرها من القضايا الجنائية المثيرة، فعلى مدى الفترة من 1917 إلى نهاية 1927 احتك سيدني سميث بالمجتمع المصري خلال مرحلة مهمة من مراحل تطوره عقب ثورة 1919 وما نتج عنها من تطور مجتمعي واضح انعكس على التعليم والثقافة ومختلف مناحي الحياة.

كما تابع الرجل خلال وجوده في مصر قضايا جنائية وسياسية انحاز فيها إلى ضميره العلمي، ما جعله في بعض الأحيان يكشف بوضوح كيف كانت سلطات الاحتلال البريطاني في مصر توظف لصوصاً سابقين للعمل كخفر غير نظاميين، ثم تستخدمهم في إثارة الشغب، لتحقيق أهداف سياسية، بل إنه أشار للمسؤولين الإنجليز بإمكانية منح مصر الحكم الذاتي على غرار ما حدث في نيوزيلندا وانتخاب سعد زغلول رئيساً للمصريين، وهو ما رد عليه رؤساؤه بسخرية.

يقدم سميث وصفاً دقيقاً وموجعاً للقرى المصرية في بدايات القرن العشرين وكيف كانت مرتعاً للبؤس والحرمان وموطناً للأمراض النادرة ومركزاً للجهل والإهمال، ما جعلها بمثابة حقل خصب لمختلف أنواع الجرائم وطرق القتل، بدءاً بالتسمم بالزرنيخ، حتى الخنق، وتقطيع الضحية لأشلاء.تقدم المذكرات بشكل تفصيلي، كيف يعمل الطبيب الشرعي، وكيف يستنطق الجثث، ويعيد إضاءة مسرح الجريمة، ويتتبع الآثار، ليخلص بريئاً، أو يثبت الإدانة على مجرم، ولهذا استبعد المترجم عنوان المذكرات الأصلي «على الأرجح قتل» ليضع عنواناً أقرب وهو «قارئ الجثث».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/23wueatz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"