قصّة بيتهوفن في اليابان

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل أتتك قصة وصول السيمفونية التاسعة لبيتهوفن إلى اليابان في الحرب العالمية الأولى؟ اليوم للموسيقى الكلاسيكية في بلاد الجيشا والهاراكيري شأن وأيّ شأو. حتى ألمانيا والنمسا لم تحظ فيهما قمة أعمال العبقري الأصم بتاج المجد الذي كللها في تلك الديار النائية. في كل ديسمبر يغنّى «نشيد الفرح»، وهو الحركة الرابعة من السيمفونية التاسعة، في جميع أرجاء اليابان، وبما أن البلد من أكبر مناطق الزلازل في العالم، أراد اليابانيون أن يُموْسقوا الزلزال، فقرروا تشكيل كورال من عشرة آلاف من مغني الأوبرا ومغنياتها لأداء رائعة الألمانيين شعر شيلر وموسيقى بيتهوفن. الطريف أن لديهم نسخاً مختصرة من هذا الكورال: 5000 وألف. فقط لا غير. أرقام المقارنات مؤذية، فلا تقل إن نفوس العرب أكثر من ثلاثة أضعاف سكان اليابان، فالعرب إذاً يجب أن يكون لهم أكثر من ثلاثين ألفاً من الجنسين في الغناء الأوبرالي.
لماذا نشيد الفرح يهز الشعب الياباني في جزره المأهولة التي تَعدُّ نحواً من 6500 جزيرة؟ لأن فيه دعوة ثلاثية وجودية: الحرية، الأمل والوحدة. العالم العربي يبدو أنه استغنى عن هذه الأمور منذ زمن بعيد، يراها هامشية ساذجة، لهذا هي عنده لا تصلح إلا للقرارات والتوصيات. أخذ اليابانيون عن الألمان بطاريتين مهمتين لشحذ الإرادة والطموح: نشيد الفرح ونظرية السوبرمان في «هكذا تكلم زرادشت» للفيلسوف فريديريك نيتشه. هذا الكتاب كان لديهم موضوعاً لثلاثمئة دراسة مختلفة. قبل نيتشه، تحدث ابن عربي عن «الإنسان الكامل»، كان مآله أن منعت جامعات عربية تدريسه. وضعوه على قائمة المتهمين بالزندقة والكفر.
قصة وصول «نشيد الفرح» إلى اليابان سيمفونية. في الحرب العالمية الأولى، كان بين اليابان وألمانيا عداء. أسَر اليابانيون في الجزيرة الصينية تشينجداو، المحتلة من قبل الألمان، قرابة ألف ألماني، اقتادوهم إلى مخيّم الأسرى. سنة 1914. نقل الأسرى إلى اليابان لم يمنعهم من أن يصدحوا برائعة بيتهوفن. في 1918 ارتفع عدد الأسرى الألمان، كان الفن حاضراً، أحد الجنود الأسرى شكّل أوركسترا، فصنعوا آلاتهم بالمواد التي لديهم. كل شيء يدوي. ضمت الفرقة 45 عازفاً و80 حنجرة. انتشر الخبر في كل اليابان كنار الشوق في صدور العاشقين. ومضة زمنية وأشرقت السيمفونية التاسعة بأوركسترا ياباني سنة 1925 من أداء طلبة جامعة الفنون في طوكيو.
لزوم ما يلزم: النتيجة الجوهريّة: لا تنسوا ذلك الثلاثي: الحريّة، الأمل والوحدة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ymeymuwt

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"