عادي

الخشبة تهرب من قضايا الراهن

23:24 مساء
قراءة 6 دقائق
  • لابد من كتابة تعبر عن تحولات المجتمع

الشارقة: علاء الدين محمود
هل يواجه المسرح الإماراتي أزمة نصوص؟ ولماذا نجد أن معظم العروض الإماراتية هي معالجة لنصوص عالمية أو عربية؟، هذه الأسئلة وغيرها توجهنا بها إلى كتّاب ومشتغلين في المسرح الإماراتي، والذين تناولوا الموضوع من زوايا مختلفة، غير أنهم أكدوا جميعاً أن قلة وأزمة النصوص المسرحية تكاد تكون ظاهرة عربية بامتياز، إلا أن الإمارات تتميز في الوقت الراهن بوجود كتّاب أصبح لهم سمعة عربية كبيرة مثل: إسماعيل عبد الله، وجمال مطر، وعبد الله صالح، وغيرهم الكثير.

الصورة

أشار البعض إلى وجود عدد كبير من الكتّاب جيل الشباب في الوقت الراهن، لكنهم يعانون في مسألة قبول نصوصهم من قبل الفرق المسرحية التي تكتفي في الأغلب بالإعداد من نصوص عالمية وعربية من زمن الرموز في مجال الكتابة المسرحية، ولفتوا إلى أهمية الورش المتخصصة

«لابد من كتابة مسرحية تعبر عن الواقع الاجتماعي، وتغوص فيه وترصد المتغيرات»، هكذا تحدث الكاتب المسرحي صالح كرامة، مشيراً إلى أن كثيراً من الكتّاب الإماراتيين يهربون نحو التراث الشعبي، والكتابة عن الزمن الماضي وإسقاطها على الحاضر، مؤكداً أن ذلك الأمر يشير إلى وجود مشكلة وأزمة، لأن ذلك الفعل يتجاوز التطور الاجتماعي، خاصة أن هناك الكثير من المتغيرات التي حدثت في الوقت الراهن، مثل التطور الكبير الناتج عن التقدم في مجال التقنية والثورة الرقمية، وظهور مواقع التواصل الاجتماعي ذات التأثير الكبير على حياة الناس وقيمهم وسلوكاتهم.

وأشار كرامة، إلى أن المسرح بحاجة إلى شباب وكتّاب يتناولون القضايا التي تهم الناس في الوقت الراهن؛ وذلك لا يتحقق عبر تلك النصوص المستلهمة من التراث وتوظيفه كرمزية لمعالجة مشاكل العصر، فلابد من كتابة مباشرة تتجه صوب المجتمع الذي يشهد الكثير من المشاكل على مستوى الأسرة وبقية مكوناته الأخرى.

ولفت كرامة، إلى أن حتى المعالجات والإعدادات والمقاربات التي تتم للنصوص العالمية، تنحصر في بعض التيارات المسرحية والأدبية مثل العبثية وغيرها والتي لم تعد توظف في صناعة العروض حتى في أوروبا نفسها، مشيراً إلى أن الذي تبقى من المسرح العالمي والذي يصلح للتوظيف لمعالجة قضايا العصر الراهن، هو مسرح وليم شكسبير ونصوص هنري ميلر وآرثر ميلر وأنطوان تشيخوف؛ ذلك لأنها اتجهت نحو المجتمع، وتناولت المتغيرات الاجتماعية، ورصدت الظواهر التي تحدث فيه.

اجترار

وشدد كرامة، على ضرورة وجود كاتب إماراتي يتحلى بالمعارف والثقافة اللازمة، ليعبر عن قضايا الواقع والمجتمع ومن دونه سيظل المسرح الإماراتي يجتر النصوص العالمية والعربية القديمة، ويأخذ من هنا وهناك، لافتاً إلى أن هذا الواقع موجود أيضاً على مستوى الدراما والمسلسلات التي باتت هي الأخرى تنهل من التراث والحكايات القديمة من دون معالجة لقضايا الواقع اليومي.

وقال كرامة: «النص المكتوب في الستينات والسبعينات، حمل مواصفات الفعل المسرحي، وحدد هويته وماذا يريد، وأعتقد أن النص المسرحي اليوم لديه إمكانية أن يبدع أكثر مما يفعل حالياً، وعلى الرغم من ذلك فإن الكثيرين يكررون أساليب السابقين ويقلدون بطريقة تعيدنا إلى نقطة الصفر، وهذا أدخل النص المحلي في مأزق عدم مواكبته للراهن».

تشابه

المسرحي الإماراتي إبراهيم سالم، ذكر أن أزمة النصوص المسرحية ليست حكراً فقط على الإمارات؛ بل وحتى المسرح العربي ظل يعاني تلك القضية، مشيراً إلى أن الإشكال ليس في الكتابة والمؤلفات فقط؛ بل وعلى مستوى الطرح والتناول؛ حيث إن من النادر وجود كتّاب تحتكم نصوصهم إلى قوانين ومبادئ الكتابة الأكاديمية الدرامية مثل: الحبكة والصراع وبناء الفعل الدرامي والأحداث وصناعة الشخوص.

وتحدث سالم عن تجربته أثناء وجوده في لجنة قراءة النصوص لأحد المهرجانات العربية، مشيراً إلى أن معظم النصوص المشاركة كانت متشابهة؛ حيث احتوت على ذات الحكاية، وتم توظيف الشخوص بنفس الطريقة، موضحاً أن مثل هذا التشابه والتقليد يشير إلى وجود أزمة حقيقية في كيفية كتابة النص المسرحي، وكذلك في اختيار المواضيع ومراعاة الحالة الدرامية في النص، وهناك ضرورة للتفريق بين الحالة الدرامية والفكرية، فبعض النصوص تحمل أفكاراً لكنها غير موظفة في النص بصورة درامية، مؤكداً أن تلك ظاهرة منتشرة في العالم العربي.

ولفت سالم إلى وجود كتّاب مسرحيين إماراتيين من جيل الشباب، لكن اليأس تسلل إليهم نسبة لأن الكتابة المسرحية لا تدر دخلاً ولا تجد اهتماماً.

معضلة

بينما أكد المسرحي عبد الله مسعود، أن هناك بالفعل أزمة كتابة مسرحية، والمشكلة تتمثل في نوعية الفكرة المنتقاة والمعالجة وكيفية الطرح، وقال مسعود: «حقيقة حتى الآن لا يوجد حل في اتجاه الخروج من هذا المعضلة». وأشار مسعود، إلى أنه لا يوجد حافز لدى الشباب وبقية الكتّاب في خوض تجربة الكتابة المسرحية، فالكتّاب صاروا يستثمرون مقدراتهم الإبداعية ويوظفونها في الكتابة للدراما التلفزيونية، نتيجة للعائد المادي الكبير كما أنها توفر انتشاراً سريعاً للكاتب لا يحققه له المسرح، وهناك الكثير من المؤلفين المميزين الذين فقدهم المسرح، بسبب التلفزيون مثل: جاسم الخرازي، وجمال سالم وغيرهما، إلا أن مسعود يشير كذلك إلى أن تلك الأقلام التي لا تزال متمسكة بالكتابة للمسرح مثل: مرعي الحليان، وناجي الحاي، وإسماعيل عبدالله.

ولفت مسعود إلى أن المسرح الإماراتي يشهد بالفعل توجهاً نحو المسرح العالمي والنصوص العربية القديمة من أجل إعدادها والاشتغال عليها من أجل إسقاطها على الواقع المحلي، وهناك العديد من الكتّاب الشباب، لكن توجد مشكلة في ترويج نصوصهم، كما أن دور النشر لا تفضل طباعة الكتابات المسرحية باعتبار أنها لا تحقق الربح، وهناك أهمية التدريب والورش وكذلك الجوائز والمسابقات المتخصصة من أجل تحفيز الشباب على إنتاج النصوص المسرحية، وكذلك الاهتمام بالمسرح المدرسي، عبر تحفيز النشء وتشجيعهم على الكتابة المسرحية.

رموز

الكاتب المسرحي جمال مطر، أكد أن العالم العربي بصورة عامة، ظل يعاني غياب الأسماء الكبيرة في مجال الكتابة المسرحية منذ غياب الرموز العربية التي كانت تتسيد المشهد في ستينات وسبعينات القرن الماضي من أمثال: سعد الله ونوس وألفريد فرج وغيرهما، الأمر الذي أربك مشهد الكتابة المسرحية، وصارت هناك أزمة حقيقية؛ وذلك ينطبق على الإبداعات الأخرى مثل الشعر والقصة والرواية.

وأشار مطر إلى خصوصية الكتابة المسرحية، موضحاً أنها تختلف عن بقية الأجناس الأخرى، ففي حين هنالك عدد كبير يكتب في مجال القصة والرواية، إلا أن هنالك قلة احترفت كتابة النصوص المسرحية؛ وذلك نظراً لصعوبة ذلك النوع من الكتابة، فالنص المسرحي ينهض على تقنيات ورؤى معينة ومقدرة على إدارة الحوار والصراع وغير ذلك.

وشدد مطر، على أن الفرق المسرحية في الإمارات، تعمل على تكريس أسماء معينة دون غيرها، وهو أمر يتم على حساب مجهودات الكتّاب الشباب، مشيراً إلى أن ذلك من شأنه أن يعزز من أزمة الكتابة المسرحية في الدولة.

ولفت مطر، إلى أن هنالك اهتماماً من قبل الكتّاب المسرحيين بالجوائز، بالتالي هم يبذلون جهوداً في كتابة نصوص من أجل الفوز في المسابقات المتخصصة بالكتابة المسرحية أكثر من أن يوجهوا جهودهم نحو صناعة نصوص بصورة مستمرة من أجل المسرح.

من جانبه، رسم الكاتب المسرحي والقاص محسن سليمان، صورة قاتمة حول واقع الكتابة المسرحية، فالأزمة كبيرة في ما يتعلق بكتابة النصوص على الرغم من وجود التشجيع من قبل الدولة، وعلى الرغم من وجود الجوائز والمسابقات.

وأشار سليمان إلى أن اختيار النصوص من قبل الفرق المسرحية يخضع لاعتبارات شخصية، بدليل أن النصوص الفائزة في المسابقات والمهرجانات لا تجد مكاناً عند هذه الفرق، ويقول سليمان: «الغريب أن الجمعيات والفرق المسرحية يعتمدون على مؤلفين معينين من عضويتهم، في حين يوجد كتّاب مسرح من الشباب وأصحاب الخبرات، والأغرب اشتغالهم على إعداد نصوص قدمت منذ سنوات، وإذا رجعت إلى تلك النصوص تجد أنها سطحية، وغير عميقة، إلى جانب إعدادهم نصوصاً من المسرح العربي والعالمي، وأمام هذا الواقع فإن الكاتب الإماراتي بحاجة إلى الدعم».

وقال سليمان: «لدي عدد كبير من النصوص المسرحية ولكن لا أحد يستعين بي، ولا توجد فرقة أو جهة إماراتية اتصلت بي من أجل الاستفادة من نصوصي، بينما يتم توظيف كتاباتي في صناعة عروض في السعودية والبحرين».

مؤشر خطر

ولفت سليمان إلى أن بعض المهرجانات تتضمن أربعة أو خمسة نصوص لكاتب واحد، موضحاً أن ذلك يعد مؤشراً خطراً ويدخل ضمن أسباب أزمة الكتابة المسرحية في الدولة، لقد تسرب اليأس إلى نفوس كثير من المبدعين في مجال الكتابة المسرحية. وأشار سليمان، إلى أهمية عقد الورش التدريبية، وأن تكون هنالك مكاشفة بين جميع الجهات والمؤسسات المسرحية والثقافية من أجل التوصل إلى حلول فيما يتعلق بالكتابة المسرحية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/wf9mcxmc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"