عادي

الفلسفة تؤسس العقل بالحوار

21:29 مساء
قراءة دقيقتين
السؤال عن الشيء

«السؤال عن الشيء» كتاب مارتن هايدجر الذي ترجمه إلى العربية د. إسماعيل المصدق، يناقش فلسفة «كنت» بعد أن عرف هايدجر كيف يزاوج بين معالجة القضايا الفلسفية، التي تشغله وبين البحث في تاريخ الفلسفة، ولا يتعلق الأمر هنا عنده بتوجهين منفصلين للبحث الفلسفي، بل بتوجه واحد يحتوي على شقين.

هكذا كان أحياناً يدخل خلال طرحه ومعالجته لأسئلته الفلسفية في حوار مع فلاسفة آخرين، كما كان في أحيان أخرى يصوغ أسئلته الفلسفية، ويبسط أطروحاته من خلال حواره مع فلاسفة، ينتمون إلى حقب مختلفة من تاريخ الفلسفة، الحوار ليس في نظره مجرد ملحق للبحث الفلسفي، بل هو الطريق الحق الذي يجب فيه أن يواجه التفلسف الحاضر ذاته، كما أن البحث في ماضي الفلسفة لا يتم من أجل هذا الماضي، بل من أجل الحاضر.

هذا التصور الذي وجهه منذ بداياته الأولى سيتخذ صورة واضحة في مؤلفه الأساسي «الكون والزمان» الذي نشره سنة 1927 واكتسب بفضله شهرة واسعة، في هذا المؤلف أخذ على عاتقه إعادة طرح سؤال الكون، الذي طواه النسيان، ومعالجة هذا السؤال تتفرع بحسب مقدمة المؤلف إلى مهمتين مترابطتين يوازيهما تقسيم المؤلف إلى قسمين رئيسيين: القسم الأول ينبغي أن يعمل على بلوغ الأفق الذي يتم انطلاقاً منه فهم الكون، أما القسم الثاني فيخصص لتفكيك الأنطولوجيا التقليدية.

لم يتوقف هايدجر طوال مساره الفكري عن الاهتمام بالمفكرين الأساسيين للفلسفة الغربية، من المفكرين الأوائل السابقين لسقراط إلى مفكرين معاصرين له، وأبدى اهتماماً متزايداً بالفيلسوف «كنت» خلال الفترة التي قضاها كأستاذ في جامعة ماربورغ، وتمتد من 1923 إلى 1928.

كانت تلك الجامعة معقلاً من معاقل «الكنتية الجيدة» في ألمانيا، ويبدو أن المحاضرة الأولى لهايدجر التي احتل فيها «كنت» مكانة مهمة هي التي نشرت تحت عنوان «المنطق.. السؤال عن الحقيقة» وسيخصص في محاضرة أخرى جزءاً أكبر لكنت من «مدخل إلى الفلسفة» ثم «السؤال عن الشيء».

من خلال متابعة كتابات هايدجر حول «كنت» نلاحظ أن فهمه لكنت عرف تغيراً واضحاً خلال الثلاثينات من القرن الماضي، هذا التغير يرتبط بالتحول الذي عرفه تفكيره بعد ما يسمى بالانعطاف، يمكن الوقوف على هذا التغير عند المقارنة بين الأطروحات التي عرضها في كتابه «كنت ومشكلة الميتافيزيقا» وتلك التي بسطها في كتابه «السؤال عن الشيء» الذي يعبر عن التصور الذي استقر عليه بعد ذلك.

يحاول هايدجر من خلال حواره مع «كنت» في هذا الكتاب تلمس الطريق لتعيين ماهية العصر الحديث، لهذا فإنه عندما أعلن في بداية محاضرته عن وضع السؤال عن الشيء كأساس لهذه المحاضرة، لم يكن يرمي إلى سرد آراء ونظريات سابقة عن الشيء، بل إلى أن يسأل عن الذي لا يزال يحدث حتى وإن كان يظهر أنه أصبح ماضياً، عن الذي لا يزال يأسرنا ويوجه تفكيرنا وتصرفنا، عن ماهية الفكر الحديث وعلم الطبيعة الرياضي الحديث بوجه خاص.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/33srdnh5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"