عادي
تدفع ثمن إنهاء خدماتهم أثناء جائحة كورونا

مدارس خاصة تبحث عن معلمين.. وتسترضي مسرّحين

00:27 صباحا
قراءة 5 دقائق

تحقيق: محمد إبراهيم

لم يكن مجيء جائحة كورونا مجرد مرور عابر لا يحمل معه تأثيرات وتحديات في ميادين العلم. فعلى الرغم من أن قطاع التعليم في الإمارات كان الأكثر ثباتاً ورسوخاً، وظلت أبواب المدارس مفتوحة لاستقبال الطلبة طوال أيام الجائحة، فإن قرارات بعض المدارس الخاصة جاءت «غير صائبة»، لتدفع ثمنها الآن بعد رحيل الفيروس التاجي.

قرارات إنهاء خدمات المعلمين ذوي الخبرات والكفاءات، تشكل معاناة حقيقية لعدد من إدارات المدارس الخاصة الآن؛ إذ إن إعلانات الوظائف لم تتوقف يوماً منذ بداية العام الدراسي الجاري 2022 2023، والمحاولات كافة باءت بالفشل لاستقطاب بدائل بنفس القدرة والمهارة وخبرات المعلمين الذين تم الاستغناء عنهم أثناء الجائحة، ما دفع الكثير من الإدارات إلى استقطاب كفاءات متواضعة بخبرات معدومة، مقابل رواتب زهيدة لسدّ النواقص في الكادر التدريسي.

وفي المقابل استفادت مجموعات تعليمية كبرى من قرارات إنهاء خدمات المعلمين خلال الجائحة، وأدارت الأزمة بحكمة واحترافية؛ إذ انطلقت عكس التيار وعززت مكانة معلميها وكوادرها؛ بل عيّنت المعلمين المنهيةُ خدماتهم، لتوظف طاقاتهم وخبراتهم وقدراتهم التربوية، إيماناً منها بأن الجائحة وقتية وسريعة الرحيل.

ويرى عدد من التربويين أن الإشكالية ليست في نقص المعلمين، ولكنها تكمن في عملية الاستقطاب التي باتت صعبة وتصل إلى درجة المستحيل، لعدم توافر الكفاءات التدريسية المتميزة التي تستطيع أن تواكب التطوير ومتغيرات المرحلة الراهنة.

وأكد معلمون أن أبرز تحديات المدارس حالياً، تكمن في عدم قدرتها على إعادة تعين المعلمين المتميزين المنهية خدماتهم خلال أيام الجائحة؛ إذ إن معظمهم التحق بعمل جديد وبعضهم يرفض صراحة العودة إلى مدرسة أنهت خدماته خلال الأزمة من دون أسباب تخص مهنيّتهم، لتواجه المدارس مأزقاً حقيقياً يصعب وصفه.

لم تكن تأثيرات هذه الظاهرة بعيدة عن أولياء الأمور؛ إذ أكدوا معاناتهم منذ سنوات عدم الاستقرار والتغيير المستمر غير المبرر للمعلمين، وعدم معرفتهم المعلم الحقيقي لأبنائهم، مطالبين إدارات المدارس باتباع معايير الجودة عند اختيار الكوادر التربوية، لا سيما في مرحلة التعليم المبكر نظراً لارتباط أبناء هذه المرحلة بمن يعلمهم.

«الخليج» تناقش مع مجتمع التعليم الخاص إشكالية النواقص، وطرائق استقطاب المعلمين، وتحديات ندرة الكفاءات وسبل التغلب على هذه الظاهرة.

قراءة تحليلية

كانت البداية مع قراءة تحليلية ل«الخليج» للمشهد التعليمي في مدارس خاصة؛ إذ تعامل بعضها مع الجائحة بحزمة قرارات غير مستقبلية، لتخفيف النفقات التشغيلية والمحافظة على الأرباح، فذهبت تُنهي خدمات المعلمين والكوادر الأخرى، وتسند مهام التدريس لبعض الإداريين عوضاً عن المعلمين أثناء تطبيق التعلم عن بعد.

وعلى الرغم من استمرارية التعليم وبقاء الرسوم من دون المساس بها، استغنت معظم المدارس عن نصف المعلمين بحجة عدم الحاجة إليهم في ظل تطبيق التعليم الهجين، لتكتفي ببعض الكوادر أصحاب الرواتب المنخفضة، لإدارة عملية التعليم والتعلم خلال تلك الفترة، فأصبح المعلمون بالآلاف من دون عمل، ولا يقوى أحد منهم على الشكوى؛ لأن الأمر يعود في النهاية إلى رغبة المدرسة في تشغيلهم من عدمه.

مجموعات تعليمية

وفي سياق متصل جاءت قرارات مجموعات تعليمية كبرى مغايرة لما اتخذته بعض المدارس من إجراءات بحق معلميها؛ إذ أدارت الأزمة بحكمة، وأدركت أن الجائحة وقتية وسريعاً ما تزول، فعززت معلميها وكوادرها في مختلف التخصصات؛ بل نجحت في استقطاب المعلمين ذوي الخبرة والكفاءة والمهارة، لتعينهم وتوظف قدرتهم وتستفيد من خبراتهم في الميدان.

وعقب انتهاء الجائحة تأكد لمجتمع التعليم العودة الحقيقية لمنابر العلم مجدّداً، وانطلقت المدارس الخاصة لاستكمال كوادرها من جديد، ولكن مع استمرار البحث والتفحص، اكتشفت أنها في مأزق حقيقي لعدم وجود كفاءات متميزة تستطيع أن تعوّل عليها في تعليم الطلبة، فضلاً عن رفض معظم المعلمين ذوي الخبرة والمهارة العودة إليها مرة أخرى، ومازال البحث جارياً عن معلمين جدد بكفاءات وخبرات ومهارات متنوعة لسد النواقص.

تحديات جمة

ويرى عدد من مديري المدارس والتربويين (خلود.ف، مجد.ع، ورانيا.م) أن الجائحة حملت معها تحديات جمة، وأثرت سلباً في العملية التعليمية على الصعد كافة، ومازال مجتمع التعليم يداوي الجراح التي تسببت فيها الجائحة، موضحين أن القرارات التي تزامنت مع الجائحة لم تكن نابعة من الإدارات المدرسية، كما يعتقد البعض، ولكنها توجيهات مباشرة من ملاك المدارس أنفسهم، ولا يستطيع مدير أو مديرة الاعتراض على تعليمات المالك.

وفي إيضاحهم للكوادر المستهدفة بقرارات إنهاء الخدمات، قالوا إن جميع الكوادر بلا استثناء كانت في مرمى إنهاء الخدمة؛ إذ اشتملت القائمة على المعلمين والمشرفين والإداريين والفنيين، وحتى عمال الخدمات المساندة، وظلت المدارس في الجائحة تعمل بأعداد قليلة، ليقوم المعلم بمهام 6 معلمين، والإداري بمهام قسم كامل في إدارة المدرسة، إضافة إلى أعمال الإشراف والمتابعة.

تحديات راهنة

وفي وقفتهم مع التحديات الراهنة، أفادوا بأن هناك أزمة تعانيها المدارس بسبب نقص المعلمين، وعدم القدرة على توفير بدائل، أو تعيين كوادر من أصحاب الكفاءات والخبرات داخل الدولة، فمعظم المتاح من دون خبرة أو بكفاءة متواضعة، فضلاً عن أن تطلعاتهم للرواتب تفوق طلبات رواتب المعلمين ذوي الخبرة أثناء الجائحة. وفي مقترحاتهم لمعالجة تلك الإشكالية، أكدوا أهمية توفير حقائب تدريبية وتأهيلية حقيقية لبناء قدرات ومهارات المعلمين غير الأكفاء في الوقت الراهن.

معلمون مهرة

وفي وقفة مع عدد من المعلمين (صلاح.م، مها.ع، وفاء.أ)، أكدوا صعوبة وجود معلمين مهرة في الوقت الراهن للتعيين، وكل السواعد التربوية الموجودة تحتاج إلى تأهيل وتدريب، وهذا اتجاه مكلف جداً لإدارات المدارس، مشيرين إلى أن المدارس التي استغنت عن كوادرها التدريسية أثناء الجائحة، ارتكبت خطأ كبيراً وستظل تدفع الثمن لسنوات قادمة لتعود إلى سابق عهدها قبل كورونا.

وأضافوا أنه على الرغم من احتياجات المدارس لمعلمين وكوادر أخرى، فإن عملية التعيين مازالت ترتدي عباءة المحاباة والمحسوبية، ما يزيد من حدة الأزمة؛ إذ إن بعض الإدارات لا تركز على الكفاءة فحسب؛ بل تتعامل مع المتقدم للوظيفة بحسب الواسطة التي لديه ومن أي بلد ومن أي عائلة والتركيز على عمره وليس خبرته.

بعد الاستغناء

تواصلت «الخليج» مع عدد من المعلمين الذين تم الاستغناء عنهم أثناء الجائحة و«فضلوا عدم ذكر أسمائهم»، وأكدوا أن ما حدث لهم في أيام كورونا لا يوصف؛ إذ إن قرارات إنهاء الخدمات كانت عمياء لا تراهم ولم تراع ظروف الإغلاق وصعوبة الحصول على وظيفة آنذاك. وفي ردهم على سؤال عن إمكانية العودة إلى مدارسهم مجدداً في حال طلبتهم للعمل، أكدوا أن هذا الأمر مستحيل.

مدى التأثير

وتوقفنا قليلاً مع عدد من أولياء الأمور لمعرفة مدى تأثير نقص المعلمين في أبنائهم، فأكد سامح فهد، وسهير مدكور، ومها علي، وصفية عربي، وحمدة عبدالله، وأحمد منير، معاناتهم مع عدم الاستقرار على معلم أو معلمة لأبنائهم منذ سنوات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y7nrybam

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"