من استراتيجية الهيمنة إلى التفوق

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

تردد كثيراً مصطلح «الهيمنة» حسب النص المتداول باللغة الإنجليزية Hegemony، تعبيراً عن مفهوم السيطرة الأمريكية على النظام الدولي القادم، لكن يتضح من قراءة العديد من حلقات المناقشة لخبراء في استراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية، أن هذا المصطلح الدارج في الوقت الحالي، هو جزء من عقيدة أوسع مدى في معناها لكلمة الهيمنة وترجمتها للكلمة الإنجليزية Preponderance وتعني التفوق على الآخرين، وعلى مستوى العالم. وهو ما وصفها به البروفيسور كريستوفر لين، المتخصص في الاستراتيجية العسكرية، والسياسات الدولية. وهو مفهوم تبناه الرئيس جورج بوش الابن، تطبيعاً لاستراتيجية التفوق التي مارسها في زعزعة استقرار الشرق الأوسط، وخلق ساحة للفوضى وللعنف نتج عنها تشريد الملايين في سوريا والعراق، واتباع نهج تغيير الأنظمة الذي يفرض هيمنة أمريكا على النظام الدولي، وهي السياسة نفسها التي سار على نهجها أوباما الذي خلفه في الرئاسة، والذي استعان بنفس أعضاء فريق بوش المتخصص في إدارة تلك السياسات. وصولاً إلى ما نعيشه اليوم من صراع بين أمريكا وروسيا، محوره الأساسي عقيدة التفوق على الآخرين، والتي تتخفى وراء ستار حرب أوكرانيا.

واتفق مع هذه التحليلات كثيرون، منهم الكاتب روبرت ليير بجامعة جورج تاون في كتابه «العصر الأمريكي: القوة والاستراتيجية للقرن ال21». معترفاً بأن عقيدة التفوق اعتبرت مطلباً ضرورياً، ومرغوباً فيه، ولا غنى عنه.

وشارك في تلك الدراسات ما يعرف بمنتدى العلوم السياسية، تحت عنوان «من التفوق إلى التوازن في السياسة الخارجية». وإشارته إلى كلمة التفوق باعتبارها وصفاً لاستراتيجية تستخدمها القوى الكبرى لمنع صعود قوة منافسة، واتفق مع نفس التحليل المفكر البارز جورج ميرشيمر.

في هذا الإطار من التفكير العلمي، كان السعي لنظام عالمي تسيطر عليه الولايات المتحدة، يعد جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة منذ عام 1945، والتي تتضمن اعتقاداً تاريخياً متجذراً في الخيال السياسي الأمريكي بأن على أمريكا، لكي تكون آمنة، أن تتمدد خارجياً بقوتها، ومؤسساتها السياسية والاقتصادية، وبقيمها التي تعد أساساً لنظرتها لنفسها داخلياً، وللعالم في الخارج.

وفي الوقت نفسه ارتفعت أصوات خبراء ومؤرخين تنبه إلى وجود علاقة دقيقة بين القوة النسبية للولايات المتحدة، وبين تمددها في الخارج، وما يتبعه من التزامات تتجاوز قدرتها على الوفاء بها. وهو ما تعرض له المؤرخان بول كنيدي، وروبرت جيلبين، في شرحهما لما يلحق بالتمدد في المهام الاستراتيجية من تمدد استعماري، وهو ما يلحق به من هبوط نسبي في قوة الدولة، وأن التزامات أمريكا الخارجية، كانت مسؤولة عن الهبوط النسبي لقدرتها الاقتصادية.

والمؤكد أن استراتيجية التفوق تعتمد في جانب منها على افتراض أنه يجب على الولايات المتحدة منع صعود قوى تتحدى هيمنتها. ويواجه أصحاب هذا الرأي خبراء آخرون في دراساتهم للأمن القومي الأمريكي، ويرون– حسب تعبيرهمؤ– أن عالم الإمبراطورية الأمريكية، كما يتصورها البعض، ليس مغامرة مضمونة الربح.

وهو نفس ما قاله بول كنيدي من أن الهيمنة لا يمكن أن تدوم للأبد، وليس في قدرتها أن تضمن أن يظل مجتمعنا متفوقاً للأبد على الآخرين. ومن ثم لا مفر أمام أمريكا من اتباع استراتيجية بديلة، من دون أن تضحّي بأمنها.

وهو نفس ما شرحه كريستوفر ليي في دراسته الموسعة، والقائل إن صناع قرار السياسة الخارجية افتقدوا في غياب حرب باردة أية حجة لتبرير اتباعهم سياسة التفوق على مستوى العالم.

وكان ذلك هو الموضوع نفسه لحلقة المناقشات التي حملت عنوان «من التفوق إلى التوازن في السياسة الخارجية الأمريكية»، والتي أدارها البروفيسور كريس دولان أستاذ الدراسات السياسية والعالمية.

وبناء على تلك الشروحات التفصيلية، يظهر أن مفهوم التفوق على الآخرين عالمياً، يمثل عقيدة أمريكية متجذرة في صلب الفكر الاستراتيجي للسياسة الخارجية، وإنه لم يكن بعيداً عن ممارسات جرت في مناطق كثيرة من العالم، لم ينج منها الشرق الأوسط، وما زالت ممتدة في أحداث في مناطق العالم، أحدثتها تلك الأزمة المتفردة في طبيعتها بين أمريكا وروسيا، والتي تتحرك مسبباتها في خلفية المشهد الذي تتصدر واجهته صورة حرب أوكرانيا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3kvbzce8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"