عادي

الدبابات.. هل تحسم الحرب؟

23:02 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب - المحرر السياسي:

يطرح تزويد أوكرانيا بدبابات غربية، الكثير من الأسئلة منها ما يتعلق بجدوى إطالة أمد الحرب وتصعيدها، وهي أسئلة قديمة جديدة، ومنها ما يتعلق بأهمية هذه الدبابات لجهة تغيير الواقع على الأرض، وهو السؤال الذي يتم التركيز عليه في المرحلة الحالية، ويبدو مبرراً منطقياً لجهة قدرتها على حسم المعركة وفرض الحلول.

بدأ الروس الحرب بنشر طابور طويل جداً من الدبابات والعربات المدرعة أدهش العالم، ثم مالبثوا أن سحبوه بعد أن واجهوا صعوبات في حمايته تفوق جدواه من الناحية التكتيكية. وحافظت وتيرة العتاد المستخدم في المعارك على نسق معين فرضته استراتيجيات الصراع بين الغرب وروسيا من جهة، وطبيعة المعارك وبيئتها داخل المدن ووسط ميادين قتال غير متجانسة.

ثم قررت الدول الداعمة بعد تردد أملته خطط المواجهة في بداية الصراع، تزويد أوكرانيا بالدبابات الحديثة الصنع في توجّه يؤكد تصميم الغرب على إلحاق الهزيمة بالجيش الروسي أو استنزافه. وأعلنت ألمانيا أنها سترسل دبابات «ليوبارد 2»، وقالت الولايات المتحدة إنها سترسل دبابات «أبرامز» وصواريخ بعيدة المدى. وقدمت كل من المملكة المتحدة وبولندا تعهدات مماثلة، بانتظار أن تتحرك دول أخرى، في خطوة يرى فيها البعض عنصر تغيير محتمل لمجريات القتال.

دور الدبابات

وقد شكلت الدبابات عنصراً أساسياً في العمليات الهجومية - لاختراق خطوط العدو واستعادة الأراضي - في الحرب الحديثة. فهي توفر قوة نيران متحركة يمكنها خرق دفاعات العدو إذا استخدمت بشكل فعال، لكنها تحتاج أيضاً إلى دعم المدفعية والمشاة لاستعادة الأرض.

ويظهر التاريخ أن الدبابات وحدها لا تكسب المعارك. وتطالب بها أوكرانيا ليس فقط لوقف أي هجوم روسي محتمل في الربيع، ولكن لاستعادة أراضيها – أي لشنّ الهجوم.

ويقول الخبراء إنه في الحالة الأوكرانية تفرض خطوط القتال نشر الدبابات على خط جبهات بطول يزيد على ألف كيلومتر، وهذا يزيد من صعوبات اختراق دفاعات الروس ما لم يتم التركيز على نقاط محددة لا يتجاوز عرضها 20 كيلومتراً. ويبدو أن الأرقام مهمة لتحقيق اختراق. فاللواء المدرع يحتاج إلى 70 دبابة في أي عملية هجوم كبيرة. وإذا كان لدى أوكرانيا المزيد، فيمكنها شنّ عمليات هجومية متزامنة في عدة أماكن مختلفة.

من جهة أخرى لا يمكن لسلاح الدبابات العمل مستقلاً في الميدان ولا بد من توفير الدعم الإضافي المطلوب لتأمين مناورات الأسلحة المشتركة. ولعل هذا ما يبرر إرسال بريطانيا 14 دبابة من طراز «تشالنجر» برفقة 30 مدفعاً أوتوماتيكياً وعربات مصفحة لتأمين الحماية اللازمة لها ونقل الجند. وتشمل هذه الحزمة أيضاً كاسحات الألغام والعربات الجسرية، وكلها ضرورية لأي عملية هجومية.

وسوف ترسل الولايات المتحدة أكثر من 100 عربة مصفحة من طراز «برادلي» و«سترايكر»، وترسل ألمانيا 40 مركبة قتالية للمشاة من طراز «ماردر» بالإضافة إلى الدبابات.

ولكي تسيطر القوات الأوكرانية على الأرض بسرعة، فمن المرجح أن تتجنب المناطق الحضرية حيث تكون أكثر عرضة للهجوم، خاصة وأن روسيا أمضت الأشهر القليلة الماضية في تعزيز مواقعها الدفاعية بالخنادق وألغام مضادة للدبابات.

وتمتاز الدبابات الغربية بأنها أسرع من الدبابة الروسية بنحو 25 كيلومتراً في الساعة، لكنها أثقل بنحو 20 طناً.

لكن من أهم مزايا الدبابات الغربية قدرتها على القتال ليلاً فهي مزودة بتقنيات الرؤية الليلية وكاميرات التصوير الحراري، وهذه التقنيات لا تتوفر سوى في دبابات تي 90 الروسية الحديثة.

المشكلة اللوجستية

صحيح أن الهجمات الليلية قد تمنح أوكرانيا عنصري المفاجأة والصدمة، إلا أن التحدي الأكبر هو اللوجستيات التي تضمن الحفاظ على تدفق الوقود والذخيرة وقطع الغيار. وهذا يعني صداعاً جديداً للقوات الأوكرانية التي بات لزاماً عليها التعامل مع كم كبير من الأسلحة الغربية المعقدة.

فدبابات «تشالنجر 2» البريطانية، على سبيل المثال، لا تستخدم نفس ذخيرة الناتو القياسية التي تستخدمها دبابات «ليوبارد» و«أبرامز». كما أنها لم تعد قيد الإنتاج، وحتى الجيش البريطاني اضطر إلى تفكيك بعض قطع الغيار من أسطوله الحالي منها.

وربما يجيد المهندسون الأوكرانيون إصلاح وصيانة محركات الديزل - في«ليوبارد» و«تشالنجر»، لكن «أبرامز» الأمريكية الصنع تعمل بمحرك توربيني غازي أكثر تعقيداً، كما أنها تستهلك ضعف كمية الوقود التي تستهلكها الدبابات الألمانية الصنع.

الدبابات لا تكفي

وحتى لو حصلت أوكرانيا على 100 دبابة فوراً وهذا غير ممكن، فإن الرقم يظل أدنى بكثير مما يطلبه القادة العسكريون في الميدان. فقد طلب الجنرال فاليري زالوجني، قائد القوات الأوكرانية، 300 دبابة إضافية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي و 700 مركبة مدرعة مخصصة لنقل المشاة و500 مدفع هاوتزر لمواجهة الهجوم الروسي المتوقع شنّه في الربيع، وقد لا يحصل على أقل من نصفها فقط.

ومن الصعوبات التي تعترض دخول الدبابات الجديدة ميادين القتال، نقلها الذي قد يستغرق عدة أسابيع كما أن التدريب عليها وعلى باقي العتاد المرافق لها يستغرق وقتاً طويلاً.

وقد أشارت الولايات المتحدة إلى أن دباباتها قد لا تكون جاهزة قبل عدة أشهر. وتنتظر أوكرانيا أيضاً استجابة الغرب لطلبها المتكرر للحصول على طائرات حربية حديثة لأن الجيش الذي يهاجم على الأرض سوف يحتاج إلى حماية من الجو.

وفي الجانب السياسي من الحراك لا يجد المراقبون ما يبعث على التفاؤل في توفير التحالف الغربي ما يكفي من زخم عسكري في ظل الاختلافات في المواقف التي تعكسها اللقاءات الرسمية التي عقدها المسئولون الغربيون سواء بشكل جماعي كما في لقاء «رامشتاين»، أو فيما يتعلق بدرجة حماسة كل دولة في التحالف للمضي قدماً في ضخ المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وسط حرص عواصم القرار على الحفاظ على «الخطوط الحمراء» في المواجهة مع روسيا خاصة ألمانيا التي قال مستشارها أولاف شولتس صراحة أنه ينبغي تجنب المواجهة المباشرة بين روسيا وحلف الناتو.

وبينما يستمر استنزاف قوات الطرفين في حرب لا تبدو لها نهاية، وتتعالى أصوات معارضيها، تتضاءل فرص حسمها عسكرياً سواء بالدبابات أو بغيرها في ظل غياب فرص الحوار بحثاً عن حلول عقلانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mu6rd82m

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"