عادي

القرآن يكفل احترام أتباع الشرائع الأخرى

22:58 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة– بسيوني الحلواني

لو علم المتطرفون العنصريون في الغرب ماذا قدّم القرآن الكريم من اعتراف واضح وصريح بعقيدتهم، وكفالة لحقوقهم، وحثّ متكرر على البرّ بهم والإحسان إليهم والتعاون معهم، ما ارتكبوا حماقة تمزيق المصحف الشريف الذي يحمل كتاب الله ورسالته الخاتمة للبشرية، كما فعلوا مؤخراً في (استوكهولم ولاهاي)، واستفزوا بفعلتهم مشاعر مليار وربع المليار من المسلمين ينتشرون في كل قارات العالم.

يدين د. أحمد الطيب شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، محاولات الإساءة المستمرة من المتطرفين العنصريين في الغرب للقرآن الكريم، ويؤكد أن هذه الإساءات المتكررة التي تتستر خلف شعارات براقة وخادعة مثل حرية الرأي والتعبير، إساءة لكل الأديان السماوية، حيث يجب أن تتعامل كل شعوب الأرض مع الكتب المقدسة بالاحترام والتقدير من الجميع.

الصورة

ويضيف: «نحن كمسلمين تعلمنا قدسية الكتب السماوية وجلال الاحترام والتقدير لها من القرآن الكريم، ذلك الكتاب السماوي الخاتم الذي أراده الله لهداية البشرية جمعاء وليس المسلمين فقط، فهو جامع لكل الهدايات التي اشتملت عليها الكتب السماوية السابقة، ولنا أن نقرأ ونتأمل قول الله سبحانه: «آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير»، ورسول الله هو القائل:«أنا أولى الناسِ بِعِيسَى ابنِ مريمَ في الدنيا والآخرةِ، ليس بَيْنِي وبينَهُ نَبِيٌّ، والأنْبياءُ أوْلادُ عَلَّاتٍ؛ أُمَّهاتُهُمْ شَتَّى، ودِينُهُمْ واحِدٌ».

وأوضح أن القرآن الكريم الذي يمزقه المتطرفون ويحرقونه في الغرب، يكفل حقوقهم ويحترم خصوصياتهم الدينية، وأقرّ مفهوم المواطنة الصحيح القائم على المساواة في الحقوق والواجبات بين أهل الوطن من أتباع الأديان السماوية، بخلاف مصطلح الأقليات الذي يروج له الغرب، ويحمل انطباعات سلبية تبعث على الشعور بالإقصاء، وتضع حواجز نفسية تتداعى وتتراكم في نفس المواطن الذي يطلق عليه أنه مواطن من الأقليات.

ويشدد د. الطيب على أن الحضارة الإسلامية أول من حفظ حقوق غير المسلمين، وأكدت المساواة التامة بين المواطنين من خلال الصيغة التعاقدية بين غير المسلمين وبين الدولة الإسلامية، موضحاً أنه يجب ألا يُنتزع هذا المصطلح من محيطه التاريخي ويُحاكم بانطباعات الناس، ولذلك فإن الكارهين للتراث بسبب أو بآخر الذين يأتون بفتوى قيلت في وقت عصيب ليقولوا هذا هو الإسلام وفقهه وتراثه، والمتشددون الذين يستوردون حكماً كان يواجه التتار أو الصليبيين في بلاد الإسلام ليطبقوه الآن على غير المسلمين، كلاهما كاذب؛ لأن الإسلام غير ذلك تماماً.

حفاوة

يؤكد د. علي عثمان شحاتة، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر حفاوة القرآن الكريم بأهل الكتاب وخصوصية التعامل معهم، ولا شك أن حال التحية والسلام تنشر كل المعاني التي تمنح للآخر رسائل السلام والبر، وترفع من النفوس حواجز الخوف والقلق والاضطراب، وقد أمر الله تعالى - إذا لزم الحوار والنقاش- أن يكون الجدال معهم بالتي هي أحسن، قال تعالى: «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»، وأركز على آلية الجدال التي ذكرها القرآن الكريم، (بالتي هي أحسن)، ولا شك أنها تحمل معاني البر والقسط والإحسان، قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»، يخبر تعالى عن تنوع أهل الأرض في عقائدهم ومذاهبهم وميولهم واتجاهاتهم، وأنه تعالى شهيد عليهم وعلى ما يفعلون، وسوف ينبئهم يوم القيامة بما اختلفوا فيه؛ فيجازي الجميع بأعمالهم «يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ».

ويشير إلى أن مسألة التنوع سنّة كونية لا يمكن تجاوزها، وهذا فيه ما فيه من معاني قبول هذا الاختلاف والتنوع، والتعامل معه بهدوء وتفهُّم لحكمته، فلو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة، ولو شاء ربك ما تولوا أو أشركوا، بل شاءت إرادته أن يختلف الناس، ومع ذلك خلقهم جميعاً ورزقهم، قال تعالى: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ».

ويؤكد د. شحاتة، ما قام به المتعصبون من حرق المصحف أو إهانته، لينمّ عن جهل وغباء لا حدّ له؛ فلو عرفوا قدر القرآن وقيمته ما فعلوا ذلك، هذا الكتاب الذي يتضمن منهج الله السديد الرشيد الذي جعله الله تعالى ضابطاً لحركة المسلمين في تعاملاتهم مع غيرهم.، وكفل لغير المسلمين حياة كريمة في بلاد المسلمين.

دستور شامل للحريات

يؤكد د. فتحي الزغبي أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر أن القرآن الكريم يفرض احترامه وتقديره على كل إنسان عاقل يعي ما تضمنه كتاب الله الخالد من هدايات، وما اشتمل عليه من حقوق لغير المسلمين، وأولها حق «حرية العقيدة» وهى أول نص في دستور القرآن الكريم، حيث أبدع هذا الدستور الإلهي الخالد في تقرير هذه الحرية، وفرض على المسلمين احترام عقائد المخالفين لهم، بل فرض عليهم الإيمان بالأديان السماوية السابقة، وجعل ذلك جزءاً لا يتجزأ من عقيدة المسلم.

ويشير إلى أن منهج القرآن في الدعوة إلى الإسلام عموماً يبرهن على احترامه لعقل الإنسان وإرادته، واختياره حتى في أخطر الأمور وهو أمر الاعتقاد، وتحديد الهوية الدينية، فالدعوة إلى الإسلام تقوم على الاقتناع التام: «ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»، ولذلك لم ينشغل المسلمون بتنظيم قوافل تنصير أو تضليل كما فعل الآخرون، بل يقوم المسلم بواجبه في الدعوة إلى دينه، فمن اقتنع به دخل فيه عن رضا وقناعة واختيار، ومن لم يقتنع وثبت على دينه وعقيدته فله ذلك حتى لو كان يعيش في ظل دولة الإسلام ويحظى بحماية المسلمين وينعم بخيراتهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mmrxb9rf

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"