«بي. بي. سي».. ذاكرة أم تاريخ؟

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

منذ إعلان هيئة الإذاعة البريطانية «بي. بي. سي» عزمها إغلاق إذاعتها الناطقة بالعربية، الذي أصبح واقعاً قبل أيام، كُتبت الكثير من المقالات في مديح دور هذه الإذاعة، والإشادة بوجوه إعلامية عربية مرموقة تركت بصمتها قي ذاكرة مستمعي هذه الإذاعة عبر أجيال.
نعلم أن نيّة الإنجليز من تأسيس إذاعة ناطقة بالعربية كانت أن يملكوا لساناً يخاطب العرب بلغتهم، كجزء من أدوات القوة التي توصف اليوم ب«الناعمة»، ولم تكن العربية سوى لغة واحدة بين مجموعة لغات خصص لها الإنجليز محطات ناطقة بها، لكن أولئك الإعلاميين العرب الذين يتذكرهم الناس بكل تقدير نجحوا في أن يحعلوا من «هنا لندن» منصة ثقافية عربية مشتركة، كونها خاطبت العرب في كل ديارهم.
لن نضيف جديداً على ما كُتب حول هذه الإذاعة التي دام بثها خمسة وثمانين عاماً، من سنة تأسيسها في عام 1938، حتى لحظة إغلاقها، لكن وأنا أقرأ بعض ما كُتب خطر في بالي خاطر آتٍ من حقيقة أن جيلاً قادماً لن يعد يسمع هذه الإذاعة في بث مباشر، هو بالتأكيد سيقرأ عنها ويسمع، وربما سيسعى المهتمون من أبناء هذا الجيل القادم، لا بل والأجيال القادمة، إلى متابعة بعض ما بثته من برامج بدافع الفضول أو البحث أو سوى ذلك من أسباب، لكنها، ستكون بالنسبة لهم مجرد تاريخ، يقرأون عنه أو يستمعون لما يعدّ بمثابة شهادات عنه، على خلاف أجيالنا نحن التي تمثل هذه الإذاعة بالنسبة لنا ذاكرة عشناها.
قلت لنفسي: لماذا لا أحاول معرفة ما قاله العارفون عن الفرق بين الذاكرة والتاريخ؟ فطالعت عيني الكثير مما كتب حول ذلك، ما يستحيل عرضه في هذه العجالة، ولكن ربما تشي العبارات التالية ببعض المعنى حول الموضوع، حيث قال الجزائري محمد غانم: «يخطئ من يعتبر التاريخ والذاكرة اسمين على مسمى، عملة ذات وجهين، حيث يتجه بعض الباحثين العاملين في حقل الأنثروبولوجيا، بصفة خاصة، إلى اعتبار الذاكرة أقرب إلى الحقيقة لأنها «الواقع الحي» بينما التاريخ لا يعدو أن يكون مجرد «ذاكرة مصطنعة» أو توظيفا لهاً».
 سيعترض معترض بالسؤال الاستفهامي: «ماذا عن الذاكرة المتوارثة بين الأجيال؟». سؤال وجيه، لكن سيظل هناك فرق بين من كانت الواقعة، حتى لو كانت سماع برنامج في إذاعة، جزءاً من ذاكرته، وبين من نقل خبرها عن أجيال سابقة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4rtw8pna

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"