عادي

جولة لافروف الإفريقية.. حصاد روسي وفير

23:06 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد فراج أبو النور *

جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخيرة في إفريقيا- والتي زار خلالها جنوب إفريقيا وأنجولا وأريتريا- أثارت اهتماماً كبيراً لدى المراقبين، لأنها جاءت في سياق نشاط دبلوماسي روسي مكثف تجاه القارة السمراء، يعبّر بدوره عن عزم موسكو على مواصلة توجه رئيسي في سياستها الخارجية خلال العقدين الأخيرين، نعني التوجه لاستعادة مكانتها السابقة في إفريقيا في العهد السوفييتي.

حققت روسيا إنجازات مهمة خلال العقدين الأخيرين وبصورة أخص خلال العقد المنقضي، وأتاح لها أن تصبح أحد المشاركين الثلاثة الأقوياء في السباق من أجل النفوذ في إفريقيا، على جانب الصين والولايات المتحدة.

جولة لافروف الأخيرة سبقتها جولته في شهر يوليو(تموز) الماضي، والتي زار خلالها كلّاً من مصر وإثيوبيا وأوغندا والكونغو.. وتتلوها، هذا الشهر جولة ثالثة يزور خلالها تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.

وتأتي الجولات الثلاث في إطار تعزيز علاقات موسكو بالدول التي شملتها، وكذلك في إطار الإعداد لحدثين كبيرين، أولهما هو انعقاد قمة «روسيا- إفريقيا» في العاصمة الروسية الثانية سان بطرسبورغ (أواخر يوليو المقبل) وهي الآلية الأكثر شمولاً للتعاون بين موسكو والقارة الإفريقية، والتي انطلقت في قمة «روسيا- إفريقيا» في سوتشي عام 2019، أما الحدث الثاني فهو انعقاد قمة «البريكس» في جنوب إفريقيا أواخر أغسطس (آب) والتي تشير التقارير إلى رغبة دولتين إفريقيتين كبيرتين في الانضمام إليها (مصر والجزائر) بالإضافة إلى دولة الإمارات العربية والسعودية والأرجنتين وإيران ودول أخرى. وبالتالي فإنها ستكون قمة ذات أهمية خاصة لمجموعة «البريكس».

اختراق للحصار الغربي

ومن الأهمية بمكان كبير هنا الإشارة إلى أن تعزيز العلاقات الروسية- الإفريقية خلال السنوات الماضية كان له دوره الكبير في امتناع عشرات الدول الإفريقية عن التصويت بإدانة روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حينما طرح قرار بهذا الشأن عند اندلاع الحرب في أوكرانيا. والأمر الأهم أن هذه الدول ترفض الالتزام بالعقوبات الأمريكية والغربية ضد روسيا، باعتبارها عقوبات أحادية غير صادرة عن مجلس الأمن، وهو الأمر الذي يفتح ثغرة واسعة في جدار الحصار الدولي الذي يحاول الغرب فرضه على موسكو، وبالتالي فإن لروسيا مجالاً واسعاً للعلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية والعسكرية على الساحة الدولية.

وهنا لا بد أن نشير إلى الاعتماد الكبير لتلك الدول الإفريقية على صادرات القمح والحبوب والمواد الغذائية وموارد الطاقة الروسية، فضلاً عن اعتماد عدد منها على الأسلحة والمساعدات العسكرية التي تقدمها موسكو، فضلاً عن المشروعات الاقتصادية ومنشآت البنية التحتية الجاري العمل فيها، والتي يمثل توقفها كارثة اقتصادية.

مناورات وقواعد عسكرية

أجندة زيارة لافروف إلى جنوب إفريقيا- في إطار جولته الأخيرة- كانت حافلة بقضايا التعاون الثنائي بين موسكو وبريتوريا، وموضوع الإعداد لقمة «روسيا- إفريقيا» الثانية، وقمة «البريكس» التي تستضيفها وترأسها جنوب إفريقيا. كما جاءت الزيارة في توقيت يشير إلى تطور بالغ الأهمية في العلاقة بين البلدين، ولا نبالغ إذ قلنا إنه تطور مهم في العلاقات الدولية. إذا جاءت الزيارة قبل أيام من إجراء المناورات العسكرية البحرية بين كل من روسيا والصين وجنوب إفريقيا في أقصى جنوب القارة، وإلى إطلال ساحلها الشرقي على المحيط الهندي، حيث تقيم الولايات المتحدة حلفاً عسكرياً جديداً (في المحيطين الهادي والهندي) يضم استراليا واليابان وكوريا الجنوبية، ويمثل تهديداً لا شك فيه للصين.. نقول إنها بالنظر إلى كل ذلك فإن المناورات المشار إليها تمثل رداً على المناورات العسكرية للحلف الأمريكي الجديد، وإشارة لمولد جنين محور ناشئ لمواجهة المحور الأمريكي- الغربي في المحيطين الهندي والهادي.

كما كانت زيارة لافروف لإريتريا مناسبة للإعلان بصوت عال عن إنشاء قاعدة عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب (في ميناء مصوع الإريتري).. وهي نقطة ذات أهمية استراتيجية بالغة الأهمية تطل على طريق ممر قسم كبير من الطاقة العالمية (الخليجية) المتجهة إلى أوروبا، وعلى مقربة من خليج عدن وساحل القرن الإفريقي بما لهما من أهمية استراتيجية كبرى. وإذا وضعنا في اعتبارنا الاتفاقية بين موسكو والخرطوم بشأن إقامة قاعدة عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر فإن روسيا تحقق لنفسها وجوداً عسكرياً قوياً في موقع بالغ الأهمية، ويجب الإشارة هنا أيضاً إلى العلاقات المتنامية بين روسيا وموزمبيق على الساحل الشرقي للقارة وإلى إمكانية الاتفاق على إقامة قاعدة عسكرية هناك، وبالقرب من جنوب إفريقيا، وهو ما يحقق لروسيا إمكانية واعدة لتأسيس وجود عسكري مهم على الساحل الشرقي لإفريقيا.. وهو ما يضاف إلى وجودها العسكري في دولة إفريقيا الوسطى.

مصر والجزائر

أما في الشمال الإفريقي فإن روسيا لديها علاقات وثيقة ومتشعبة مع مصر والجزائر، بما في ذلك علاقات واسعة للتعاون العسكري، وإن لم تصل إلى حد امتلاك قواعد، كما حققت موسكو وجوداً عسكرياً مهماً في مالي، بعد أن طردت السلطات المالية القوات الفرنسية، متهمة إياها بالتخاذل في مواجهة الإرهاب. وتوشك موسكو على تعزيز مواقعها في منطقة الساحل والصحراء من خلال التعاون مع سلطات بوركينا فاسو التي وجهت هي الأخرى إنذاراً للقوات الفرنسية بمغادرة البلاد خلال شهر لتخاذلها في مواجهة الإرهاب المستشري في البلاد وفي منطقة الساحل والصحراء عموماً، وتتهم باريس موسكو بالوقوف وراء هذه التطورات متجاهلة ميراث الشك والكراهية ضدها بسبب التاريخ الاستعماري، واستغلال الثروات الوطنية حالياً، وبينما تهتم روسيا بطرح اتفاقيات متوازنة تحقق مصالح متبادلة لها وللدول الإفريقية وتخطو بها نحو التنمية، فإن موسكو تهتم بتقديم المنح الدراسية لتعليم وتدريب الكوادر الوطنية الإفريقية.

وهكذا فإن روسيا تجاوزت فترة الانكفاء لتستعيد توجهها نحو إفريقيا كأحد الاتجاهات الأساسية في سياستها الخارجية، وتأتي جولة لافروف الأخيرة عنواناً لهذا التوجه، وحصاداً لإنجازاته، ولتضع روسيا كأحد المتنافسين الأقوى على النفوذ في القارة السمراء إلى جانب الصين وأمريكا، بما لديها من إمكانات اقتصادية وعسكرية هائلة.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/hv2nuyn6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"