عادي
لويس ليوبولد رسام الـ5000 بورتريه

«جاردن تورك».. روح باريس في مقهى

23:50 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: عثمان حسن

لويس ليوبولد (1761 – 1845) رسام فرنسي ولد في قرية «لا باسيه»- شمالي فرنسا، برز في أواخر العصر الملكي وعصر الثورة الفرنسية، وما عرف بالعصر النابليوني، في رصيده العديد من اللوحات والبورتريهات لعدة شخصيات، مثل: ماكسمليان روبسبير، جان أنطوان هودون، شارل لويس هافاس، فرانسوا أدريان بولديو، وإدوارد جينر.

تميز بين النخبة بوصفه أستاذاً مرموقاً في الرسم الزيتي، على وجه الخصوص، وقد كان قريباً جداً من الناس، فعرف بلوحاته الشعبية «بورتريهات»، التي قدمها بموهبة استثنائية، وكانت في معظمها مستوحاة من الحياة الواقعية والاجتماعية للطبقة المتوسطة الفرنسية. من ناحية أخرى، فقد رسم ليوبولد نحو «300 لوحة» فيها قدر كبير من الوهم البصري، أو الصور الخادعة للنظر.

في سيرته الفنية ما يؤكد اهتمام ليوبولد بمجال المطبوعات الحجرية، وكانت عبارة عن رسوم كاريكاتورية في مجموعة مكونة من 98 مطبوعة، ظهرت فيها شخصيات متجهمة، وعرضها بين عامي 1823 و1828، وهي السلسلة التي اندفع المجتمع الباريسي لشرائها فكوّن ثروة مادية نظراً لإقبال الناس على اقتنائها.

كما حصل ليوبولد خلال سيرته الفنية، على تكريمات وجوائز عدة، بينها «ميدالية الصالون الباريسي» في عام 1804، كما توجت مسيرته الفنية بحصولة على جائزة «جوقة الشرف»، وهي أعلى رتبة وطنية بفرنسا، في عام 1833.

بعد عام 1794، بدأ بإنتاج المزيد من التراكيب التي اعتبرت بمثابة سجل اجتماعي للطبقة الوسطى، وكانت لوحات فيها قدر من التهكم الملحوظ.

حظي خلال حياته باحترام كبير، وكان أن قدّر الخبراء إنجازه بنحو 5000 بورتريه شخصي.

خارج فرنسا عرضت مجموعة من أعماله بعنوان «المعرض الكبير» التي تصور نبض الحياة الحديثة في فرنسا النابليونية، في الولايات المتحدة، كما عرضت في متحف «كيمبل» للفنون، والمعرض الوطني للفنون بواشنطن.

وكان متحف الفنون الجميلة في مدينة «ليل» كرم هذا الفنان باختيار مجموعات من أعماله لتعرض على نطاق واسع في شتاء 2011-2012.

ومن الأعمال المهمة التي رسمها لويس ليوبولد، واحدة بعنوان «مدخل مقهى جاردن تورك»، وهي واحدة من رسوماته التي تجسد واقع الحياة في باريس النابليونية، وتتميز بإشراقها اللوني، وحرفية تكوين المشهد التصويري.

كلاسيكية

ينقلنا لويس ليوبولد في هذه اللوحة التي أنجزها بأسلوب كلاسيكي شفاف إلى قلب باريس في عهد نابليون، حيث يقف المشاهد خارج مدخل أحد المقاهي الأكثر شهرة في المدينة، والذي يعرف باسم «جاردن تورك».

في هذا الرسم المبهر، يتدفق رواد المقهى من أنحاء أطراف المدينة، ويحتشدون في الشارع الذي تغطيه الشمس.

وتظهر اللوحة أجواء من الفرح والمتعة، فالجميع هنا، منخرطون في أعمال ترفيه متنوعة، في المقهى الذي يقدم لزبائنه أشكالاً عدة من المسرات التي تناسب الطبقة الأرستقراطية، من الأطباق الشهية، في تلك الحديقة المظللة، التي تحتضن طاولات ألعاب، وأشكالاً من الترفيه الموسيقي الشعبي.

كان «جاردن تورك» تأسس في عام 1780، من حديقة أنيقة، ومطعم، ومقهى، ضمن سلسلة من الأجنحة التي تعكس نهاياتها الهلالية (الظاهرة إلى اليسار) ديكوراً مستوحى من الطراز المعماري للقرن الثامن عشر. يقع المقهى في «بوليفارد تمبل»، وهو ممر الترفيه الجديد في المدينة، والذي كان يتميز بمسارح ومطاعم ومقاه، ويجتذب حشوداً بشرية من كل حدب وصوب، ومعلماً للتسلية هو الأشهر من بين الأماكن العامة الأولى في باريس.

وقامت الإدارة الجديدة في عهد نابليون بتحويل الصالة إلى غرفة طعام فخمة، يشرف عليها طهاة سبق وعملوا في منازل النبلاء ما قبل الثورة، وفي اللوحة يظهر الطابع الديمقراطي في هذا التجمع الهائل، الذي يضم فئات الطبقة الوسطى مع الشرائح الاجتماعية الأقل حظاً.

في هذا المشهد التصويري لم يتوغل لويس ليوبولد في تفاصيل امتدادات رؤوس الأشجار التي تظلل المشهد على اليمين، كما أنه لم يتتبع البوابة المزدحمة التي يزينها طلاء زخرفي على الأغلب من الطابع التركي (إلى اليسار)، ولكنه اكتفى بأن يضع مشاهده في بؤرة الجانب الجنوبي من الشارع، ووجّه نظره إلى مشهد الشارع المزدحم خارج المقهى. فثمة صغار وكبار، وسيدات بلباس عصري، يتكاتفن مع خادمات، وأطفال صغار يلعبون، والكل سعيد بهذا الاختلاط الاجتماعي الجديد الذي تسمح به الجادة (طريق معبّد، قصير، داخل المدينة، ويصل بين شارعين رئيسيين) والتي تصطف على جانبيها الأشجار.

تفاصيل

يظهر المشهد التصويري بعض السيدات، اللواتي يرتدين ملابس أنيقة موشاة بتفاصيل من العصر الإمبراطوري، وبصحبة خادمات بمآزرهن المعتادة، مع رجال يرتدون قبعات متلألئة.

كان ليوبولد حريصاً من خلال هذه اللوحة على إبراز باريس نابليون، المدينة الفاضلة العصرية، وفي الصورة صبيّان صغيران، ربما كانا مهاجرين من منطقتي سافوي الولد (على اليسار) وكاتالونيا الصبي (على اليمين)، يقدمان وسائل الترفيه الرئيسية في فترة ما بعد الظهر.

الولد المنحدر من سافوي، يحمل صندوقاً خشبياً يتدلى بحبل حول رقبته، بجانب حيوان المرموط (جنس من حيوانات الفصيلة السنجابية).

وفي الرسم يظهر الصبي بوجه جميل وقبعة، يقدم عرضاً موسيقياً على أمل جني بعض المال من رواد المقهى الذين يظهرون بلباس زاه، بينما يسلي شريكه إلى اليمين مجموعة من الأطفال من خلال تحريك الدمى بإحدى يديه، وباليد الأخرى يعزف الألحان الشعبية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ykpz9mz6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"