رحلة الاستنباط من النبطي

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تذكر تلك الطرفة في كتاب «مثالب الوزيريْن» لأبي حيان التوحيدي، سيرويها القلم بمضمونها لا بنصها نصاً حرفياً. قال: «قال لي الصاحب بن عباد: من أسماك أبا حيان يا أبا حيان؟». قلت: سيّد القوم. قال: ويحك مَن؟ قلت: أنت، حين قلت: من أسماك أبا حيّان يا أبا حيان. علق على ذلك قائلاً: «فكأنني ألقمته حجراً».
ما رأيك في أن نستنسخ الطرفة ونسأل الشعر النبطي: من أسماك الشعر النبطي أيها الشعر النبطي؟ الموضوع أبعد مدى ممّا يتصور شعراء الفصحى وأهل النبطي أو الشعبي، أو ما يسميه المغاربة الشعر الملحون. للأسف، هذه التسميات غير مناسبة، تنقصها رقة الدماثة، فالنبط هم الآراميون الذين آثروا بعد اعتناق الديانة المسيحية أن يسمّوا السريان، لكون الآراميين كانوا قبل ذلك وثنيين. لا شك في أن عربيتهم لم تكن الفصحى في نظر القبائل العربية. نجد أثراً لهذا المشهد في شعر المعري، يقول أبو العلاء في «اللزوميات»: «استنبط العُرْبُ لفظاً وانبرى نبطٌ.. يخاطبونك في أفواه أعرابِ... كلّمتُ باللحن أهلَ اللحن أنفسهم.. لأن عيبيَ عند القوم إعرابي». 
سامح الله أهل المغرب العربي يسمونه الشعر الملحون؛ أي الشعر الذي به لحن أي خطأ في اللغة. يبدو أن الأشقاء المصريين آثروا الاحتماء من مطر المسميات الشائكة أسموه الزجل، وثلاثي الزاي والجيم واللام فيه الكثير من الجمال والجميل. الدبلوماسية فيها أكثر من مهرب.
لكن الأمور لا تقف عند هذا الحد من التسمية. ثمّة قضايا تبحث عن حل في البحوث والدراسات، مثلاً: أغلبية القصائد النبطية شكل نستطيع وصفه بأنه السائد الغالب، وهو ذو القافيتين المختلفتين في كل الأبيات؛ أي تكون للصدور قافية موحدة وللأعجاز قافية موحدة. هذا الطراز نمطي في النبطي، ولا مثيل له في الشعر الفصيح منذ الجاهلية. لا أحد يجزم بأنه لا وجود في كل الشعر العربي لنماذج جرت على هذا النسق بقافيتين مختلفتين في شطري القصيدة، لكن ذلك ليس شكلاً من أشكال الشعر العربي المعهود في تاريخ أدبنا. لا شك في أن الدراسات يمكن أن تذهب إلى ما هو أبعد بكثير: هل لهذا الشكل علاقة بأشعار الآراميين السريان أو العبرانيين أو الأمم الأخرى؟ هذه هي المسألة.
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: النبطي يحتاج إلى الاستنباط، والاستنباط يحتاج إلى البحث العلمي العميق.
abuzza[email protected]

https://tinyurl.com/3ajbj5un

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"