لغز الانتخابات الليبية ورهان الدبيبة

00:35 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

الجميع في ليبيا سواء كانوا من الفرقاء المتصارعين، أو رئيس البعثة الأممية أو ممثلي الأطراف الدولية والإقليمية المنغمسة في الأزمة الليبية لا يتوقفون عن المطالبة بضرورة سرعة التوجّه إلى إجراء الاستحقاق الانتخابي (الانتخابات البرلمانية والرئاسية) الذي جرى تجاوزه والقفز فوقه لصالح أجندات أخرى، منذ تفويت موعده الذي كان مقرراً في ديسمبر/كانون الأول عام 2021. كل هؤلاء يقولون: «الانتخابات هي الحل» للأزمة الليبية، وكل هؤلاء يطالبون بتوافق الفرقاء، وكلهم أيضاً يؤكد حسن النوايا، لكن كل هذا لم يقدّم ـ ولو لخطوة واحدة ـ أملاً في إجراء هذه الانتخابات.

آخر هؤلاء كان عبدالحميد الدبيبة رئيس ما يسمى «حكومة الوحدة» والذي يحكم من طرابلس، وكانت له مواقف رافضة ومعرقلة لإجراء الانتخابات في موعدها المشار إليه. فقد أعلن مؤخراً أن عام 2023 «سيكون عام إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المؤجلة». في الوقت ذاته لم يتردد الدبيبة في كيل الاتهامات لغريميْه: عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، وخالد المشري رئيس مجلس الدولة، لعقدهما اجتماعاً للبحث في الملفات العالقة بينهما، بخصوص «القاعدة الدستورية» للانتخابات المؤجلة.

فقد اتهم الدبيبة صالح والمشري «بمواصلة إصابة الشعب الليبي بخيبات أمل متواصلة»، لافتاً إلى أنهما «يتحملان مسؤولية موقفهما في حرمان الناخبين من أداء حقهم في الانتخابات المؤجلة»، وأنهما ـ علاوة على ذلك ـ «مشغولان دائماً بالبحث عن طرق جديدة للتمديد لنفسيهما، أو تقاسم السلطة عبر صفقات مشبوهة في الكواليس».

الدبيبة الذي تحدث عن جاهزية حكومته و«مفوضية الانتخابات» لإجراء الاستحقاق الانتخابي هذا العام، لم يقدّم مؤشرات جادة تؤكد جدية هذا التعهّد، وهو يعلم أن هناك حكومة ليبية أخرى اختارها مجلس النواب مقرها مدينة سرت، ورئيسها فتحي باشاغا، وأن شرعية حكومته أسقطها مجلس النواب.

وأكثر من ذلك، فإن الأحداث التي جاءت في أعقاب تصريحات الدبيبة كانت في اتجاه معاكس يكشف ضعف مصداقية تعهّده بإجراء الانتخابات، فقد عجزت حكومة الدبيبة عن تنظيم الاجتماع الدوري لمجلس وزراء الخارجية العرب الذي قاطعته معظم الدول العربية، ولم تحضره غير وفود 7 دول فقط، ما أجبر وزيرة خارجية حكومة الدبيبة على تسمية الاجتماع بـ«التشاوري»؛ الأمر الذي يفرض التساؤل: على أي شيء يراهن الدبيبة، أو ما هي مصادر القوة التي يعتمد عليها؟، ويعتقد أنها كفيلة بدعمه داخل ليبيا وتمكينه من إجراء الانتخابات.

الواضح أن الدبيبة يراهن على دعم خارجي، عبر ما يقوم به وما يتخذه من خطوات لاستجداء قوى دولية لدعمه، على نحو ما فعل مع الولايات المتحدة بتسليم الضابط السابق عبدالحميد أبو عجيلة، المتهم أمريكياً بإعداد قنبلة طائرة لوكيربي، وعلى نحو الصفقة التي عقدها مع رئيسة الحكومة الإيطالية في زيارتها الأخيرة لطرابلس. وربما يكون الدبيبة قد استنتج ضوءاً أمريكياً أخضر بدعمه من خلال الزيارة اللافتة التي قام بها ويليام بيرنز، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لطرابلس في يناير/كانون الثاني الفائت، حيث إن بيرنز التقى المشير خليفة حفتر وعبدالحميد الدبيبة فقط، ولم يلتق رئيس «حكومة الاستقرار» فتحي باشاغا، لكن ما هو أهم هو فهم الدبيبة أن مجيء رئيس الاستخبارات الأمريكية لزيارة ليبيا، وليس وزير الخارجية ـ مثلاً ـ له دلالته الأمنية التي يدرك أنه المعني بتحقيقها، سواء بالنسبة لملف مزيد من المطلوبين الليبيين لواشنطن، أو ملف قوات شركة «فاغنر» الروسية، حيث يدرك أن واشنطن تخوض تنافساً مع روسيا والصين حول ليبيا، من منظور أن ليبيا «تقع داخل دائرة المصالح الأمريكية».

إدراك الدبيبة لخلفيات زيارة ويليام بيرنز، ربما يكون قد حفّز طموحاته بأنه أضحى الشخص المدعوم خارجياً في الفترة المقبلة، لكن هذا كله لا يكفي ليتمكن الدبيبة من البقاء في السلطة، أو إنجاح مسعاه لإجراء الانتخابات، إن كان فعلاً يريد ذلك.

فالانقسام على القيادة لم يعد محصوراً بين حفتر والدبيبة، فهناك أيضاً فتحي باشاغا رئيس الحكومة الليبية الأخرى. والانقسام على مستوى الرئاسة موجود على مستوى المؤسسات الشعبية بين مجلس النواب ومجلس الدولة؛ الأمر الذي يعني أنه إذا كانت الانتخابات الليبية هي في نظر كل الأطراف «الحل» للأزمة الليبية، فإن المعضلة تتركز الآن في كيفية تفكيك «لغز» هذه الانتخابات، وهو «صيغة التفاهم» على شخوص من سيقودون ليبيا والذين لا يمثل اختيارهم تهديداً لمصالح كل الأطراف الأخرى في ظل انقسام غير مسبوق في المصالح بين تلك الأطراف.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y47r7pe2

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"