الطفل العربي بلا موسيقى

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل ساءك القول أمس إن التربية الفنية للأطفال في العالم العربي مأساة؟ هل تسمح بالإفصاح والإيضاح؟ في الغرب عندما يبدأ تعليم الصغير الموسيقى أكاديميّاً، فإنه يوضع على درب الموسيقى بلا كلام، أي الموسيقى الخالصة المستقلة كلغة تعبير، فيخطو خطواته الأولى مع أعمال غير معقدة، لكنه بعد ثلاثة أشهر من التمارين المدرسية الأساسية، وهو في سن الرابعة أو الخامسة أو السادسة، يشرع في عزف أعمال عالمية. لا تعجب، فمنذ الأيام القليلة الأولى يستطيع قراءة التدوين الموسيقي على البيانو على مفتاحي «صول» (اليد اليمنى) ومفتاح «فا» (اليد اليسرى).
لماذا وصف القلم المشهد بالمأساة؟ يقيناً، الطفل الغربي محظوظ، ومثله الطفل الروسي والصيني، لأنه منذ بداية مسيرته الذوقية الجمالية الموسيقية، يجد أمامه مئات آلاف الآثار الموسيقية الخالية من الكلام، تنفتح أمام مهجته وذهنه أدوات استشعار الإحساس بالجمال الموسيقي كلغة تعبير مستقلة، بالتالي يدرك الأفكار الموسيقية من دون وسيط لغوي عبر المعاني المعبّر عنها بالحروف الأبجدية وكلماتها وجملها ونحوها وصرفها، في حين أن الطفل العربي لا يملك مكتبة موسيقية. 
هل يدلّنا أحد على أعمال موسيقية خالصة مؤلفة للصغار أو للكبار؟ هل تذكر مأساة الفتاة المصرية ابنة التاسعة قبل سنوات، التي كانت تردّد أغنية «سيرة الحب» لأم كلثوم؟ ابنة التاسعة تكرّر: «فات من عمري سنين وسنين.. شفت كتير وقليل عاشقين». الدعابة هي أن ما دون العشر يعد بالسنوات، الألف والتاء لجمع القلة، ما فوق ذلك سنون. ثم هل يعقل حتى من الناحية الأخلاقية أن نرهق الصغار بأغان مثل «حسيبك للزمن» أو حتى بأغاني الحب القصيرة؟
المهزلة هي أنك إذا أدركت أن تلك الأعمال لا يجوز تعليمها للصغار، لأسباب شتى، فإنك لن تجد في المتناول غير أهازيج وترنيمات ليست من الأعمال الموسيقية في شيء، بينما ينطلق الطفل الغربي بعد الثلث الأول من عامه الأول في الدراسة الموسيقية ناشراً جناحيه في فضاءات موتزارت وبيتهوفن وشوبيرت وشوبان. الفارق سنون ضوئية في الذوق والإحساس بالجمال والإحساس بالموسيقى. يجب العمل على تحصين ذوق الطفل العربي بمناعة مكتسبة، فلن يقبل بعدها الانحدار والهبوط. لن يستطيع أحد أن يخدعه بأن التبن تبر.
لزوم ما يلزم: النتيجة البحثية: ما هي الفوارق بين التعبير بالموسيقى والتعبير بالكلام؟ هل فكّر الموسيقيون في هذا الموضوع؟ دع أهل الطرب في طربهم سادرين.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p82fakm

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"