ما حققه اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو خلال مسيرته الرياضية الممتدة لأكثر من ربع قرن حتى الآن، يجعله واحداً من أهم أساطير كرة القدم حول العالم، ويجعله ملهماً لأجيال متعاقبة من جمهور الساحرة المستديرة ولاعبيها كذلك، حتى وإن اختلف البعض حول كونه «الأفضل بلا منازع» في تاريخ كرة القدم، فهو يرى نفسه كذلك رغم وجود غريمه الأزلي الأرجنتيني ليونيل ميسي، بل ويؤكده بتصريحه الشهير «أعتقد أنني أستحق الفوز بجائزة الكرة الذهبية كل عام، من اللاعب المفضل بالنسبة لي؟ أنا»، ويضيف في تصريحه الأشهر «أنا أول وثاني وثالث أفضل لاعب في العالم».
بداية أسرية صعبة
قبل 38 عاماً، وفي مثل هذا اليوم من عام 1985، ولد كريستيانو رونالدو في مدينة «فونشال» بجزيرة ماديرا على الساحل الغربي للبرتغال، لوالدين برتغاليين؛ فالأب كان يعمل بستانياً، لكنه في الوقت ذاته مدمن لشرب الكحول، أما الأم فعملت طاهية وعاملة نظافة في المنازل، وكان لديه من الأشقاء ثلاثة، هو رابعهم، وأصغرهم سناً أيضاً.
انتقل الأب بعد ذلك للعمل كمسؤول عن المعدات في أحد أندية الأطفال، لتبدأ رحلة الابن الصغير مع كرة القدم التي أحبها بشدة منذ أن كان في عمر 10 سنوات، وازداد حبه لها يوماً بعد يوم حتى انضم لفريق ناسيونال دا ليها دي ماديرا، ثم غادر جزيرة ماديرا مسقط رأسه في سن 12 عاماً لينتقل لأكاديمية لشبونة لكرة القدم، وهي الفترة التي يعتبرها الأسوأ في حياته، بسبب الشعور بالوحدة والاغتراب، فقد كانت أسرته لا تستطيع زيارته سوى مرة كل 4 أشهر، بسبب ظروف المعيشة الصعبة، وهذا ما جعل مدة إقامته في الأكاديمية لا تطاق.
وعن تلك الفترة، قال رونالدو في حوار سابق مع موقع «ذي بلايرز تريبون» الإنجليزي: «لم أكن أعرف أحداً، وكنت أشعر بنفسي وحيداً، لكنني مصرّ على الوصول لهدفي.. وكانت كرة القدم حافزي الوحيد»، ونظراً لضعف بنيته عمل رونالدو على تقوية عضلاته من خلال التسلل من غرفته ليلاً، لمواصلة التدريبات.
موهبة كريستيانو رونالدو التي صقلها بالتدريبات المستمرة في سبورتينغ لشبونة، جعلته يلفت الأنظار في مباراة فريقه مع مانشستر يونايتد عام 2003، التي انتهت بفوز سبورتينغ بنتيجة 3 أهداف مقابل هدف، وأشاد به أليكس فيرجسون المدير الفني للفريق المنافس، ليتعاقد معه مانشستر يونايتد لاحقاً بصفقة وصلت إلى 12 مليون جنيه استرليني، وهو في عمر 18 عاماً حينها.
وقتها كانت سعادة الأب بالغة، فبالرغم من تدهور حالته بسبب الاكتئاب وإدمان الكحول، إلا أنه كان سعيداً بنجله، وقال له: «أراهن عليك لتصبح أفضل مهاجم في العالم»، إلا أنه توفي متأثرا بإدمانه في عام 2005، بحسب ما نقلته bbc من تصريحات والدة رونالدو لصحيفة «ليكيب» الفرنسية عام 2018.
مشوار مانشستر يونايتد
تألق رونالدو في رحلته مع مانشستر يونايتد ليشارك في 292 مباراة، ويفوز بأول ألقابه الثلاثة في الدوري الإنجليزي الممتاز في عام 2007، ولقب دوري أبطال أوروبا، وكأس الاتحاد الإنجليزي مرة واحدة، وكأس رابطة الأندية الإنجليزية مرتين.
أيضًا سجل 118 هدفاً لمانشستر يونايتد، كان أبرزها هدفه المثير ضد بورتو في دوري أبطال أوروبا، والذي حصد بسببه جائزة بوشكاش لهدف العام، التي يقدمها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).
بعدها وصل يونايتد إلى نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الثانية على التوالي، لكنه خسر أمام برشلونة في آخر مباراة لرونالدو مع الفريق، قبل أن يحسم انتقاله إلى ريال مدريد بقيمة 80 مليون جنيه استرليني في ذلك الصيف.
رحلة ملكية مع ريال مدريد
انتقل رونالدو البالغ من العمر حينها (24 عاماً) لريال مدريد مقابل 131 مليون دولار، ليصبح أغلى لاعب في العالم، وتبدأ رحلة أرقامه القياسية في كرة القدم، حيث فاز بالكرة الذهبية لثلاث مرات مع الريال، أعوام 2013 و2014 و2016، كما حقق لقبين لدوري أبطال أوروبا عامي 2014 و2016، وأصبح الهداف التاريخي للبطولة، فضلاً عن تحقيقه لقب الدوري الإسباني مرة واحدة عام 2012 ولقب كأس ملك إسبانيا عام 2011، وكأس العالم للأندية عامي 2014 و2016، إضافة إلى لقب السوبر الأوروبي عامي 2014 و2016، ولقب السوبر الإسباني عام 2012، حتى أنهى مسيرته مع ريال مدريد في عام 2018 مسجلاً 451 هدفاً، ليصبح الهداف التاريخي للنادي.
نجاحات يوفنتوس
انضم كريستيانو إلى فريق يوفنتوس الإيطالي في صيف 2018 مقابل نحو 100 مليون يورو، وهو أعلى مبلغ على الإطلاق للاعب تجاوز عمره 30 عاماً، ليشارك مع الفريق في 134 مباراة بمختلف البطولات، استطاع خلالهم تسجيل 101 هدف.
فاز كريستيانو مع يوفنتوس بلقب الدوري الإيطالي (مرتين)، وكأس إيطاليا، وكأس السوبر الإيطالي (مرتين)، ليصبح أول لاعب يحرز لقب الدوري في إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا، كما حل في المركز الثالث في جائزة الاتحاد الدولي (الفيفا) لأفضل لاعب في العالم عام 2019 خلف ليونيل ميسي وفيرجيل فان دايك، وفاز بالحذاء الذهبي لهداف الدوري الإيطالي موسم 2020 – 2021 برصيد 29 هدفاً.
العودة لمانشستر يونايتد
عاد كريستيانو رونالدو إلى مانشستر يونايتد في أغسطس 2021 مقابل 15 مليون يورو، إضافة إلى ثمانية ملايين وفقاً لأدائه، ليصبح الهداف التاريخي لكرة القدم على الصعيد الاحترافي، وأول لاعب يسجل في خمس مباريات متتالية في دوري أبطال أوروبا في موسم واحد مع نادٍ إنجليزي، وفاز بجائزة السير مات بازبي لأفضل لاعب في العام في مانشستر يونايتد، لكنه أنهى الموسم بدون ألقاب لأول مرة منذ موسم 2009 - 2010.
دخل رونالدو في خلاف مع إريك تين هاج المدير الفني الجديد لمانشستر يونايتد، وفسخ تعاقده مع الفريق قبل التوجه لخوض منافسات كأس العالم 2022 مع منتخب البرتغال.
مفاجأة النصر السعودي
في مطلع يناير 2023، انتقل كريستيانو رونالدو الذي اقترب عمره حينها من ال 38 عاماً، إلى فريق النصر السعودي، بموجب صفقة تاريخية بلغت قيمتها نحو 200 مليون دولار سنوياً، ليسجل أول أهدافه في شباك نادي الفتح ضمن فعاليات الدوري السعودي للمحترفين، الجمعة.
أرقام قياسية مع منتخب البرتغال
بدأ رونالدو مسيرته مع المنتخب الأول لبلاده عام 2003 بعد أن تدرج في الفئات السنية ل«برازيل أوروبا» بين عامي 2001 و2003، ولعب مباراته الدولية الأولى في أغسطس 2003 أمام منتخب كازاخستان، قبل أن يتم استدعاؤه لتشكيلة المنتخب المشاركة في كأس أمم أوروبا عام 2004، ليخسر منتخب بلاده نهائي البطولة أمام المنتخب اليوناني، لكن الفريق عاد وبلغ نصف نهائي كأس العالم 2006 وحقق المركز الرابع في تلك البطولة.
لم تكن بداية تجربة رونالدو مع المنتخب البرتغالي موفقة بالقدر الكافي في السنوات الأولى، بل استمرت إخفاقات منتخب بلاده منذ عام 2006، حتى حقق معه لقب كأس أمم أوروبا عام 2016 في فرنسا، للمرة الأولى في تاريخ بلاده، بعد تغلبها على فرنسا 1 – صفر في المباراة النهائية.
توالت الانتصارات بعدها، حيث قاد البرتغال إلى الفوز على هولندا في نهائي دوري الأمم الأوروبية موسم 2018 – 2019، وسجل في مرمى فرنسا في بطولة أوروبا 2020، ليعادل الرقم القياسي في عدد الأهداف الدولية برصيد 109 أهداف، كما فاز بجائزة الحذاء الذهبي لأفضل هداف في بطولة أوروبا 2020، وفي سبتمبر 2021 حطم الرقم القياسي في عدد الأهداف الدولية، بعدما سجل هدفين في مرمى أيرلندا في مباراة بتصفيات كأس العالم.
بعدها خاض كأس العالم للمرة الخامسة في تاريخه مع البرتغال في قطر 2022، ليصبح أول لاعب يسجل في خمس بطولات لكأس العالم، بعدما أحرز ركلة جزاء أمام غانا في المجموعة الثامنة في قطر 2022، لكن البرتغال خرجت من كأس العالم بعد الخسارة 1- صفر من المغرب في دور الثمانية.
