من شرع أبواب العنصرية فسمح لها بالتحول إلى غول يفترس الأمان والاستقرار في دول عدة حول العالم؟ من أيقظ الفتن الطائفية فصار «الدين» هو السلاح الذي يقتلون به الإنسان والإنسانية، ويفتعلون باسمه أزمات وحروب، ويقتلون أبرياء ومصلين، ولا يردعهم رادع ولا خشوع، أو رهبة، أو خوف من الله، فيقتحمون قدسية بيته ولا ترتعش لهم أياد قبل أن يفجروه أو يدنسوا ويحرقوا كتابه الكريم؟
من سمح للإرهاب أن يتمدد ويتخذ أشكالاً مختلفة، ومع كل شكل يرتكب جريمة أفظع وأبشع، وجيوشه منها الظاهر المعروف، ومنها المستتر المتخفي خلف أقنعة كي يتمكن من التسلل بين الناس، فيقتلهم بطريقتين، إما بغسل أدمغة البعض وإما بذبح أو تفجير البعض الآخر؟
الدين الحق والتطرف لا يلتقيان، والدين الحق والجريمة لا يلتقيان، فكيف إذا كان التطرف يدفع بالإنسان إلى ارتكاب أفظع الجرائم من خلال تفجير مسجد، وحصد أرواح المصلين الأبرياء؟ اخترعوا للعالم وهماً وبعبعاً اسمه «الدين الآخر»، فصار المسلم عدواً، وولدت «الإسلاموفوبيا»، وصدّق الخدعة ضعاف النفوس، ثم انقادت في هذا التيار جماعات وازداد التشدد تشدداً، وأحكم التطرف الخناق على رقاب العباد.
تجاوز الإرهاب باسم الدين كل دين ومعتقد، فلكل جماعة تتخذ من الدين ستاراً لتحقيق مطامعها السلطوية عقيدة خاصة بها، أرست دعائمها أفكار شيطانية، تتنافى تماماً مع العقائد السماوية، تعادي الإنسانية وتناهض الحق في الحياة وتنتهك التعاليم وتشوه الديانات وتستحل ما حرّم الله.
من المؤكد أن المخطِط لعملية مسجد الشرطة في بيشاور أسعده مقتل 100 إنسان، وإصابة أضعافهم، وانتشى بالنعوش الجماعية التي حملت ضحايا أفكاره الشيطانية إلى مقابرهم، واحتفل بأنه أضاف رصيداً جديداً إلى قائمة اليتامى والأرامل والثكالى والعاجزين، ومن المؤكد أنه، وغيره، يخططون لعمليات مقبلة في مشارق الأرض ومغاربها، طالما أن الفساد الفكري والثقافي والإعلامي والسياسي والأمني له وجود.
مسجد الشرطة في بيشاور ليس أول مسجد يتم تفجيره منذ بدأ الإرهاب يزاحمنا في الشوارع والمقاهي والمدارس والمؤسسات وبيوت العبادة، ولن يكون الأخير، فهو مجرد رقم في سلسلة ممتدة طالما أن الخطاب الديني جامد، وطالما أن رجال الدين المعتدلين عاجزون عن المواجهة الحاسمة للتشدد ودحض نظرياته، وطالما أن التطرف أصبح سلوك حياة في الشرق والغرب، ولم يعد يقتصر على التطرف الديني، بل له وجوه متعددة، أهمها التطرّف الدنيوي الذي يبيح ما حرّم الله، ويعتبر سلوكاً مثل الشذوذ حق انساني، وطالما أن بعض الحكومات تتعامل مع من يتجاوز على المقدسات والديانات ويحرق قرآناً أو إنجيلاً، على أنه حرية رأي وتعبير، وطالما أن بعض القادة يتخذون قرار إشعال حرب ببرود أعصاب وبشكل أكثر يسراً من قرار محاكمة وزير فاسد.
من يقتلون ويخرّبون ويدمّرون، ثم يهلّلون ويسعدون ويحتفلون بما فعلوا متوهمين أنهم حققوا إنجازاً، من دون أن يعوا أنهم يسعون في الأرض فساداً، فإن جزاءهم المستحق حسب الأحكام الإلهية هو «أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ»، وعندما يكون هدفهم بيوت الله التي أمر أن يذكر فيها اسمه فهم الأكثر ظلماً وضلالاً «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَى فِى خَرَابِهَآ أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَ لَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى ٱلْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
إنهم أهل الخزي والعار الذين لم يكتفوا بالتجاوز في حق العباد ويتجاوزون في حقوق رب العباد، وبيوت العبادة، فجّروا الكنائس والمساجد في مدن مختلفة حول العالم. يعتدون على بعض المساجد باعتبارها للشيعة، ويعتدون على أخرى لأنها للسنة، ورغم أن منطلق المعتدي في الحالتين مختلف إلا أن جوهر تفكيره واحد، فهو لا يدرك أن هذا وذاك بيت الله، يقف بين المصلين يوهمهم أنه منهم ومثلهم، جاء إلى هذا المسجد أو ذاك ليشاركهم عبادة الله والحقيقة أنه جاء ليفجرهم ويقتلهم ويدنس المسجد، «يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ».