عادي

«الخراريف».. عبد العزيز المسلم يحكي من كتاب الجدات

00:36 صباحا
قراءة 4 دقائق
عبد العزيز المسلم. كتاب

الشارقة: علاء الدين محمود
يتميز التراث الإماراتي بالتعدد والثراء، نسبة لتنوع البيئة نفسها، فهناك الصحراء والبحر والجبل، ولكل بيئة ثقافتها الناتجة عن طرائق العيش، وقد تناول الكثير من الباحثين العديد من زوايا ذلك التراث ومفرداته المختلفة، فنجد من اتجه صوب البحر وحياة الغواصين وصيد اللؤلؤ، وفيهم من تناول حياة الصحراء، غير أن قلة هي التي تناولت الأساطير والخرافات وما تضمه من قصص وأشعار تردد جيلاً بعد جيل.

الدكتور عبدالعزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، واحد من الباحثين الذين قدموا عطاءً وبذلاً بحثياً كبيراً في هذا المجال عبر مؤلفات كثيرة، ارتبط اسمه بالحكايات الشعبية، منذ منتصف الثمانينات، وعرف عنه أنه أعاد كتابة عدد كبير من تلك الحكايات، وكان له دور في مجال التراث الثقافي محلياً وعربياً، ومثَّل الإمارات في منظمات دولية مثل اليونسكو، وعمل على دعم المشاريع العربية وتشجيع الباحثين والمؤسسات المعنية بذلك، وساهم بالارتقاء بنظرة المجتمع للتراث، وكرّس جهوده الشخصية وخبراته وسلطاته في المؤسسات التي ينتمي لها، لوضع التراث في مكانته التي يستحقها، كما حاضر بُغية التنوير بأهمية التراث الثقافي والتوعية وله مؤلفات عدة في الأدب والتراث.

مشروع

يعتبر كتاب «موسوعة الكائنات الخرافية في التراث الإماراتي.. دراسة في المخيلة الشعبية»، من أهم المراجع التي تناولت الأساطير أو «الخراريف»، وهو ينتمي إلى مشروع يرجو عبدالعزيز المسلم، من ورائه إلى جعل الحكايات الشعبية متاحة للأطفال بيسر وسهولة، بحيث يشكل حاضنة تحفظ سرديات الماضي وتجعل حكاياته وقصصه متاحة للجميع، لأنها تحتوي على الكثير من القيم وتقدم إضاءات مهمة حول ماضي الإمارات ومنطقة الخليج منذ القدم، وهو جهد معرفي كبير يقبل عليه المسلم بروح الباحث المثابر.

يغوص الكتاب بصورة عميقة في تناول الكائنات الخرافية أو الخيالية، وهي موجودة في التراث العربي، حيث كانت البلاد العربية في الماضي القريب مسرحاً للعديد من القصص والحكايات الأسطورية، وكان العرب إذا سمعوا حديثاً لا يمكن تصديقه أطلقوا عليه اسم «خروفة» ويجرى جمعها على «خراريف»، وكانت النساء من الأمهات والجدات يحكين لأولادهن وأحفادهن تلك القصص التي تتسم بالغرائبية وأبطالها هم كائنات عجيبة وخارقة، لتكون زادهم في جلسات السمر، ويشار إلى أن العرب لم يكونوا يعلمون سبب تسمية هذه الأساطير ب «خُرافة» بل كانوا كل ما يستظرفونه من القصص يطلقونه عليها، حيث جاء في كتاب «لسان العرب» تعريف هو: «والخُرافة الحديثُ المُستَملَحُ من الكذب»، بالتالي كانوا على علم ووعي بأن تلك الحكايات وما تحمله من أحداث وأبطال وشخصيات هي محض خيال.

ترجمات

لقي الكتاب أو الموسوعة صدى وقبولاً كبيراً على الصعيد المحلي، وعلى مستوى العالم العربي، ذلك لأن محتوياته قريبة من الإنسان العربي بصورة عامة، حيث أن البيئة الصحراوية والبحرية منتجة لمثل تلك الحكايات، وهي مجال وفضاء خصب لانتشار الأساطير التي يتداولها الناس، وكذلك وجدت الموسوعة صدى كبيراً حتى على المستوى العالمي من خلال الترجمات العديدة التي شملت، إلى جانب الإنجليزية، اللغات: الفرنسية والإسبانية، والإيطالية، والبرتغالية والروسية، وذلك يشير إلى اهتمام القارئ في كل مكان وتوقه الشديد وشغفه بمطالعة النصوص النابعة من الموروث الشعبي، وبصورة أكثر خصوصية تلك المؤلفات التي تتحدث عن الغرائبيات لكونها تجد رواجاً بصورة خاصة في الغرب، حيث يتطلع القراء والأكاديميون والباحثون هناك للتعرف إلى حياة الناس في الشرق والتراث الخاص بهم والحكايات التي تنتمي إلى عوالم الميثولوجيا، وذلك ما يحققه هذا الكتاب المهم الذي يخاطب جميع شرائح القراء بمختلف خلفياتهم المعرفية وتكويناتهم الثقافية، فهو مؤلف للقارئ العادي، كما أنه مرجع لطلاب الجامعات.

جلسات أُنس

ويركز الكتاب بصورة أكثر خصوصية على الكائنات الخرافية في الإمارات، تلك التي يدور عنها الحديث كثيراً في جلسات الأُنس وفي حكايات الجدات، إذ تنتقل تلك القصص من جيل إلى آخر، فتسهم بصورة كبيرة في تشكيل وجدان الفرد، فهي ذات تأثير كبير في التربية والتنشئة، كما أنها ترسخ في الوجدان الشعبي، وقد تم تحويل الكثير من تلك القصص إلى أعمال تلفزيونية وسينمائية، وكذلك تم إحياء سردها في البيوت والمدارس، وعبر المهرجانات التراثية والمناسبات العامة، ويتناول الكتاب نحو 37 كائناً خرافياً في الحكايات الإماراتية ومن أهمها: «أم الدويس»، «بابا درياه»، «خطاف رفاي» و«أبو السلاسل» وغيرها، ويحتوي الكتاب على رسومات إيضاحية، ويتكون من عدة أقسام أهمها: اسم الكائن، والبيئة الذي اشتهر فيها، وأصل وتفسير هذا المسمى، كما يتناول المصادر التي تحدثت عنه وتناقلته، وهل لهذا الكائن أصول في الأدب العربي القديم، ويشير المؤلف إلى أن كثيراً من هذه الكائنات وردت في الأدب العربي من خلال الكتاب التراثي الشهير «المستطرف من كل فن مستظرف» لمؤلفه محمد بن أحمد الخطيب الأبشيهي.

الكتاب يقدم المعرفة والمتعة معاً للقارئ، ويتيح له التجوال في عوالم الحكايات الشعبية الخرافية، ذلك الفضاء الأسطوري الساحر الذي ترسم أحداثه وشخصياته الدهشة في وجه القارئ الذي يستغرق في عملية القراءة بنهم شديد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s3sy359

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"