عادي
ترهق المتعلمين وتستنزف الوالدين مادياً

المشاريع المدرسية.. تكليفات للطلبة ينجزها أولياء الأمور

00:50 صباحا
قراءة 6 دقائق

تحقيق: محمد إبراهيم
لا خلاف على أن تكليف الطلبة في المدارس الخاصة بإجراء مشاريع علمية غير صفية متنوعة، يعد مساراً فاعلاً ينمّي مهاراتهم، ويستنهض طاقاتهم وجوانب إدراكهم وفكرهم ومهاراتهم، لكن عندما تصبح هذه المشاريع مبالغاً فيها، فإنها تشكّل عبئاً على ميزانيات الأسر، وتضيع وقت الطلبة من دون فائدة، لا سيما أنها تنجز بأيادي أولياء الأمور، وهو ما يحتاج إلى وقفة لإعادة النظر وإيجاد طرائق جديدة في توظيف تلك التكليفات لصالح المتعلمين.

وشكلت هذه المشاريع خلافاً في الرأي بين أولياء الأمور، وعدد من التربويين ومديري المدارس والمعلمين، حيث يراها أولياء الأمور سبباً أساسياً في زيادة النفقات، ما يضر بميزانيات الأسر خصوصا تلك التي لديها أكثر من طالب في مراحل التعليم المختلفة، لذا طالبوا بتدخّل عاجل لوقف نزيف النفقات وتخفيف الأعباء عن الوالدين، مع ضرورة إيجاد رقابة فاعلة للإشراف على تكليفات المدارس للطلبة.

في المقابل يرى بعض التربويين ومديري المدارس والمعلمين، أن نوعية هذه المشاريع ترتقي بمهارات الطلبة، وتربط معارفهم الصفية بواقع حياتهم اليومية، وأن دور الوالدين لا ينطوي على تنفيذ مشاريع أبنائهم بأنفسهم؛ بل مساعدتهم في إعدادها والاستفادة منها.

وكانت توجيهات الجهات المعنية واضحة وصريحة في هذا الشأن؛ إذ شددت على إدارات المدارس، بعدم مطالبة الطلبة بتنفيذ أي مشاريع خارج المدرسة، وتنفيذ الأنشطة الطلابية داخل الغرف الصفية، وعدم تحويلها إلى تكليفات تثقل كاهل الطلبة في البيت، ولكن لا تزال التكليفات فعالة والمشاريع قائمة، لترهق الطلبة وتستنفد طاقات أولياء أمورهم.

«الخليج» تبحث مع الميدان التربوي لماذا أصبحت المشاريع الطلابية أثقالاً تُرهق أولياء الأمور، وهل حقاً تشكّل ضرورة ملحة للمتعلمين؟ ولماذا باتت مبالغاً فيها؟، وما أبرز المعالجات المقترحة لتخفيف العبء عن الطلبة وأولياء الأمور؟.

تفاوت في التعاطي

البداية كانت مع رصد «الخليج» لجوانب متفرقة في مجتمع التعليم الخاص؛ إذ تبين وجود تفاوت بين المدارس في التعاطي مع ملف المشاريع الطلابية، حيث تعتبر بعض المدارس أنها تشكل الجانب التطبيقي في العملية التعليمية ولا يجوز إهمالها، فضلاً عن الاستفادة منها عند شرح بعض الدروس. وفي المقابل لم يُعر البعض الآخر أي اهتمام للاحتفاظ بالمشاريع الطلابية والاستفادة منها، ليتم التخلّص منها أو تخزينها في أماكن غير مناسبة بطريقة عشوائية، وهنا لا ينتفع بها الطالب، بينما يسدد أولياء الأمور الفاتورة لمشاريع تفرضها المدارس وتوظّفها بشكل غير صحيح.

والتقت «الخليج» عدداً من أصحاب المكتبات والمحال التي تعمل في إعداد وإنجاز المشاريع الطلابية بمقابل مادي (فضلوا عدم ذكر أسمائهم)، وأكدوا أن هناك اختلافاً في طرائق إعداد مشاريع الطلبة، وفقاً للمادة الدراسية واحتياجات المعلم، موضحين أنهم يستندون على البحث والتقصي بحسب عنوان التكليف المطلوب.

وفي ما يخص تكلفة إعداد المشروع، قالوا إنها تختلف من مشروع لآخر؛ إذ إن مشاريع الطلبة في المدارس تختلف عن طلبة الجامعات، والمشاريع التي تحتاج إلى أدوات ومكونات تأتي تكلفتها أكبر من مشاريع تجميع المعلومات، وتبدأ التكلفة من 150 درهماً وتصل إلى 3000 درهم.

عائق كبير

طرحنا هذه الإشكالية على عدد من التربويين ومديري المدارس والمعلمين، فأكد «إبراهيم. ص، وغسان.م، وسماح. ش، ومي. ع، ونضال. س» أن الاستماع إلى شرح الدروس والعلوم من دون ممارسة عملية، يشكّل عائقاً في ترسيخ المعارف في أذهان الطلبة، وهنا تكمن أهمية ممارسة الأنشطة المرتبطة بالمادة، لا سيما في المواد العلمية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجوانب التطبيقية.

وأفادوا بأنه قبل إنجاز أي مشروع، يشرح المعلم للطلبة الأساسيات التي يحتاج إليها عند التنفيذ والطريقة الصحيحة والهدف منه، لكن الأهل دائماً يبادرون لمساعدة أبنائهم، من دون إدراك لقدرات الطلبة على تنفيذ هذه المشروعات بمفردهم، موضحين أن دور الوالدين في هذا الجانب ينطوي على الإشراف والمتابعة فقط، من دون التطوع لتنفيذ تكليفات أبنائهم بأنفسهم، ليمنحوهم فرصة تطبيق ما اكتسبوه من علوم ومهارات.

تنمية المهارات

«الهدف من هذه المشاريع هو بناء شخصية الطالب وتنمية مهاراته، ودعمه وتحفيزه»، هذا ما أكده فريق آخر من التربويين في مدارس خاصة «فضلوا عدم ذكر أسمائهم»، موضحين أن المشاريع التعليمية تسهم في تدريب الطالب على كيفية البحث عن المعلومة والوصول إليها، وتوظيفها بالشكل الصحيح، ما ينمّي لديه مهارات البحث والاستقصاء وجمع المعلومات، فضلاً عن تربية المتعلمين على الاختيار وتحديد مشروع شخصي يسهم في تنمية القدرة على التحليل والتركيب والملاحظة والاستنتاج، والتقويم والمشاركة والتفاعل مع المحيط.

وأضافوا أن التعلم التطبيقي يعد مساراً فاعلاً يحوّل المنهاج إلى نواتج تعليمية مفيدة؛ إذ يقدّم أنشطة وأمثلة واقعية يتفاعل معها المتعلمون، ويتسنّى للطالب طرح أفكاره وتبادلها مع الآخرين، ليصبح بعد الانتهاء من المشروع أكثر فهماً وإدراكاً للمحتوى.

أعباء كبيرة

التقينا عدداً من أولياء الأمور، هم مراد سامح، وسلمى حمد، ومهران عبدالله، وسمية متعب، وشيماء علي، فأكدوا أن المشاريع الطلابية التي تفرضها مدارس أبنائهم من حين لآخر، تشكل أعباء كبيرة لا سيما على الأسر التي لديها أكثر من طالب في مراحل التعليم المختلفة، فضلاً عن أن تكليفات الطلبة ينفذها أولياء الأمور من دون أن ينتفع بها الطلبة معرفياً أو مهارياً، وما تدّعيه بعض إدارات المدارس من أنها تنمي مهارات الطلبة يعد عارياً عن الصحة.

وفي ردهم على سؤال عن تدخّلهم وتنفيذ مشاريع أبنائهم، ولماذا لا يتركونهم يعتمدون عن أنفسهم، أفادوا بأن معظم المشاريع تفوق قدرات ومهارات الأبناء، وبعضها غير واضح والبعض الآخر لا يتناسب مع سنّ المتعلم.

تفاقم المشكلة

وأوضحوا أن الإشكالية كبيرة وتتفاقم عاماً تلو آخر، وتقابل زيادة التكليفات والمشاريع، زيادة في النفقات التي باتت مصدر إزعاج لكثير من الأسر، لا سيما أن الأبناء غير منتفعين بها، والوالدين دائماً ما يواجهون أعباء إضافية إلى جانب واجباتهم الأساسية، لذا ينبغي إعادة التفكير في تلك المشاريع وفاعليتها وتأثيرها في الطلبة.

وأشاروا إلى أن بعض المشروعات المطلوبة تتطلب مهارات لا يمتلكها الطلبة في صفوف الحلقة الأولى والثانية، كما يواجه طلبة المرحلة الثانوية أيضاً تحديات كثيرة في بعض المشاريع؛ الأمر الذي يجبر معظم أولياء الأمور على تنفيذ تلك المشروعات بأنفسهم، وهناك عائق آخر نراه في التكلفة المرتفعة لتنفيذ بعض المشروعات، لا سيما تلك التي تتعلق بإعداد مشروع مجسم، ما يرفع سقف نفقات الأسر على تعليم أبنائهم.

عدم إدراك

طرحنا تلك الإشكالية على الخبيرة التربوية آمنة المازمي، وترى أن هناك خلطاً وعدم إدراك لدى بعض المعلمين في مدارس خاصة لمفاهيم المناهج المطورة، على الرغم من الحقائب التدريبية التي يخضعون لها؛ إذ إن المطلوب من الطالب مشروع واحد فقط لمادة واحدة يختارها، بما يناسب ميوله ورغباته وقدراته، مؤكدة ضرورة تنفيذ تلك المشروعات في المدرسة، وتحت إشراف المعلم لمعالجة نقاط الضعف الموجودة لدى كل طالب، وتعزيز مصادر القوة والمهارات التي يتمتع بها المتعلمون والتي تختلف من طالب لآخر.

وأضافت أن مشروعاً واحداً لا يشكّل أي أعباء على المعلم؛ بل يسهم في زيادة الحماس والشغف والإقبال عند الطلبة وخلق روح التنافس مع زملائهم لإنجاز مشاريع أكثر أهمية، يمكن استخدامها كوسيلة تعليمية تساعد المعلم والمتعلم في تبسيط المعلومة والتوسّع فيها أيضاً بطريقة جاذبة ومقبولة.

أهداف مفقودة

وأوضحت أن تدخل أولياء الأمور في إنجاز تلك المشاريع، يفقدها الأهداف التي وجدت من أجلها، وهنا تأتي المشكلة؛ إذ إن الطالب يتم تكليفه من قبل معلمه، في حين أن ولي الأمر هو المنفذ الحقيقي للمشروع دون أي استفادة للطالب، ويبقى الوضع كما هو من دون تطوير في المهارات والمعارف المكتسبة لدى المتعلمين، وهنا تكمن أهمية الملاحظة والمتابعة وتنفيذ المشاريع الطلابية داخل المدرسة من خلال جدولة زمنية تتيح لكل طالب، تنفيذ مشروعه بمهارة واحترافية.

وأكدت أهمية جاهزية المدارس وتطوير البنية التحتية، وتجهيز مختبرات وغرف الابتكار والتميز، بشكل يثر شغف المتعلمين ويفتح لديهم مدارك الإبداع.

إشكالية كبيرة
عدد من أولياء الأمور أكدوا أن مشروعات علمية لأبنائهم فرضتها عليهم مدارسهم، تصل تكلفتها إلى 1000 درهم لشراء المحتويات فقط، فضلاً عن الجهد والوقت والتكاليف التي يتكبّدها الوالدان بسبب غلاء الأدوات التي يضطر ولي الأمر إلى شرائها من أجل مستقبل ابنه أو ابنته.

ممنوع ومحظور

منعت الجهات المعنية تنفيذ الأنشطة والمشاريع الطلابية خارج أسوار المدرسة، وحذّرت الإدارات من مطالبة أولياء الأمور بسداد قيمة المحتويات لمشاريع أبنائهم في المدارس، أو إلزامهم بسداد أي تكاليف خاصة بالأنشطة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2metd6pc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"