فوارق التعبير بالموسيقى والكلام

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل فكرت في الفوارق بين لغة الموسيقى ولغة الحرف والكلمة؟ لا ينصرفنّ ذهنك إلى ظاهر السؤال، فالأمر أبعد من مجرد الفرق بين الدرجات الصوتية (النوتات) وحروف الأبجدية. لا ننسَ أن الألفباء هي الأخرى مخارج أصوات لها ترددات وذبذبات، وهي تصدر عن نظام صوتي متكامل.
ثمّة جانب مهمّ في التعبير بالموسيقى، أخفى من أن يظهر، فلم يخطر على بال الموسيقيين العرب لأنه كما يقول البوصيري: «من شدّة الظهور الخفاءُ»، وإلاّ لكانوا عكفوا عليه، ولكانت الحلول التطويرية القائمة على البحوث والتحقيقات والدراسات النغمية، أخرجت الموسيقى العربية من ضحالة التسمّر في شكل موسيقي وحيد هو الأغنية. الموسيقى العربية داؤها الأمّية الموسيقية، فهي تفتقر إلى البحث العلمي والمعرفة والذكاء، والعمق والفكر وفلسفة الجمال، لتتشكل منظومة الإبداع. عندما تتوافر تلك العناصر وتتضافر، تغدو الخفايا أظهر من أن تخفى.
الفارق بين لغتي التعبير شاسع. في الموسيقى لا وجود لما يقابل لغة المعرّي في «رسالة الغفران» التي تحتاج إلى كسّارة بندق قاموسية، ولا لغة الفيلسوف الألماني كانط في كتابه «نقد العقل الخالص»، ما يحوج العقل إلى ترجمان إدراكيّ جبّار. تلك المستويات لا يقوى عليها دماغ الطفل، ولا حتى أدمغة الأغلبية الغالبة من الكبار. 
في عالم الموسيقى لا شيء من هذا، فلا برهان أبلغ من أن موتزارت قدّم عرضاً للبيانو في الخامسة، وفي الثانية عشرة كان قد ألّف ثمانية أعمال للأوبرا. أسمِع الوليد الموسيقى في أيامه الأولى، ستراه يسكت إن كان يبكي، ويندمج ملء كيانه ويظهر فعل هورمون السعادة على حركات يديه ورجليه. لا تندهش إذا رأيته يبكي عند سماع موسيقى حزينة في المقام الصغير، أو تقاسيم ناي شجيّة في مقام صبا. يستطيع الطفل الاستمتاع بكل أنواع الموسيقى التي يستمتع بها الكبار. الذوق قائم  في الخلفية التي لا نراها  على مقاييس رياضية وفيزيائية. للكبار ميزة القدرة على التحليل والتفسير والفهم الأعمق للشكل والمضمون، إذا كانوا ملمّين بأصول البناء الموسيقي. 
أبعد من ذلك، الموسيقى الكلاسيكية لها أثر في عالم الحيوان بكل مخلوقاته. روى بيتهوفن أنه حين كان يعزف، كانت عنكبوت تصعد إلى البيانو وتتوارى حين ينتهي. «مين قدّها؟».
لزوم ما يلزم: النتيجة العجبية: إذا كان الموسيقيون محيطين بفلسفة الموسيقى، فلماذا ظلت موسيقانا حبيسة الأغنية؟ أوَ لم تكن فضاءات الموسيقى واسعة فيحلّق إبداعهم فيها؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yn4ys9nx

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"