موقف إماراتي شهم

01:34 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

الزلزال العنيف الذي ضرب جنوبي تركيا، فجر أمس، وطال سوريا ولبنان والعراق، وشعرت به مصر وقبرص، وأدى إلى مصرع الآلاف، وجرح آلاف آخرين، وانهيار عشرات المباني، يفتح جرح الإنسانية من جديد، وسط الصراعات والحروب، ليزيد من المآسي التي يعيشها العالم الذي يواجه مصيراً مجهولاً من جرّاء غياب الحس الإنساني.

لكن للإمارات في مثل هذه الأوضاع مواقف مشهودة؛ إذ فور حدوث الزلزال المؤسف، أجرى صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، اتصالاً هاتفياً بالرئيسين السوري والتركي، معرباً عن خالص التعازي والتضامن.

ووجه سموّه بإنشاء مستشفى ميداني، وإرسال فريقي بحث وإنقاذ، وبدء عملية «الفارس الشهم 2»، لدعم الأشقاء والأصدقاء في سوريا وتركيا. وعلى النهج ذاته، وجه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بتسيير مساعدات إنسانية عاجلة للشعب السوري الشقيق بقيمة 50 مليون درهم.

هذا الموقف الإماراتي الشهم، ينسجم مع ما تمليه المبادئ الإنسانية النبيلة، ويقدم مثالاً في التضامن إزاء ما يشهده العالم من كوارث طبيعية وجوائح، فضلاً عن الحروب التي تبقى من صنع البشر.

وإذا كانت الزلازل هي بفعل عوامل طبيعية خارجة عن إرادة الإنسان، ومثلها البراكين، فإن تقصير العالم في مواجهة التغير المناخي أو الأوبئة، قد تكون تداعياته أشد فتكاً وضرراً. ولتجنب ذلك، يحتاج العالم إلى الارتقاء إلى مستوى ما يهدّده، من خلال الالتزام بالقيم الإنسانية والعدالة، وهذه ليست مسألة تضامن أو كرم، وإنما هي مسألة لها علاقة بمصيرنا جميعاً على أرض تجمعنا، وليس لنا غيرها. فالاستجابة لمواجهة الكوارث أكانت من فعل الطبيعة أو من فعلنا، هي أهم من الصراعات والتنافس على المصالح والهيمنة؛ لأن في الأولى خلاصنا، وفي الثانية هلاكنا.

لعل العالم لا يزال يذكر «التسونامي» الذي وقع في المحيط الهندي، إثر زلزال عنيف عام 2004؛ حيث ضرب سواحل دول عدة، منها إندونيسيا وسريلانكا وتايلاند والهند وغيرها، وأدى إلى مصرع نحو 250 ألف شخص. كما أن العالم لا يزال يذكر الزلزال الذي ضرب إيران عام 2001، وأودى بحياة 40 ألف شخص، وزلزال كشمير عام 2005 الذي قُتل فيه نحو 79 ألف شخص، وزلزال هايتي عام 2010 الذي راح ضحيته 100 ألف شخص.

كل هذه الكوارث يجب أن تعطينا درساً في أهمية أن يعود الإنسان إلى إنسانيته، ويتخلى عن أطماعه ونرجسيته، ويعمل من أجل عالم تسوده العدالة والمصلحة العامة، ويعمل من أجل أخوّة إنسانية واحدة تجمعنا، ومن أجل عالم متصالح مع نفسه.

إن المليارات التي تصرف على الحروب من الأجدى أن تصرف على مشاريع إنسانية وعلمية وصحية، تفيد البشرية، ولا تهدّد وجودها.

لا يزال لدينا خيار التعايش والتآزر، ونبذ العنف والحرب لإنقاذ العالم، أما الخيار الآخر الذي نراه بأم أعيننا في أكثر من ساحة على الأرض والفضاء، فلن يأتي لنا إلا بالدمار والفناء.

فليكن زلزال تركيا وتداعياته في غير مكان بمنزلة درس لنا جميعاً، بأن نوحّد الجهد للعمل معاً، من أجل تجسيد الأخوّة الإنسانية الفعلية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mwxba2ys

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"