عادي
جنرالات وأعضاء كونجرس يتوقعون المواجهة العسكرية بينهما عام 2025

أمريكا والصين.. هل تقعان في «فخ ثيوسيديدس»؟

01:34 صباحا
قراءة 9 دقائق
طائرات صينية تحلق بالقرب من تايوان
استعدادات ضخمة للجيش الصيني

د. أيمن سمير

جاء تحذير الجنرال مايك مينيهان الذي يترأس قيادة النقل الجوي، ويعمل تحت إمرته 110 آلاف من العسكريين والمدنيين، بأن بلاده سوف تدخل حرباً مع الصين عام 2025، بمنزلة «تقدير زمني مبكر» لمسار اندلاع الحرب بين واشنطن وبكين، فكل التقديرات السابقة كانت تقول: إن أقرب موعد لاندلاع المواجهات العسكرية قد يكون بين 2030 و2035؛ وذلك تبعاً لحسابات تتعلق بالصعود الاقتصادي والعسكري الصيني، وأفول وتراجع نجم الولايات المتحدة على الساحتين الداخلية والدولية، لكن الجنرال مايك مينيهان قال بوضوح، حدثي يقول: إن الحرب مع الصين سوف تندلع في عام 2025، وتشرح المذكرة التي أرسلها لوزارة الدفاع (البنتاجون) دوافع قيام الحرب في هذا التوقيت المبكر، وكلها تتعلق بحسابات صينية، ترى أن تلك الفترة هي المناسبة ل«استعادة تايوان بالقوة»، وهزيمة الولايات المتحدة في آسيا، بما يمهد لاعتلاء الصين قمة هرم القيادة العالمية.

الصورة

تتناول مذكرة الجنرال مينيهان الكثير من الأسباب التي يتكئ عليها في تبكيره لزمن الحرب مع الصين، ففي يناير/ كانون الثاني 2025 سوف تكون واشنطن في ذروة الجدل السياسي الداخلي، عندما يتم تنصيب الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن لولاية ثانية أو يحل محله رئيس جمهوري جديد، كما أن الانتخابات التايوانية سوف تجرى عام 2024، ويمكن أن تفرز نتائج قد تعدها الصين سبباً لاستعادة الجزيرة بالقوة، إضافة إلى إشارة مينيهان لتقديرات المخابرات الأمريكية المنشورة مؤخراً التي تشير إلى بوجود مشاكل داخلية للرئيس الصيني شي جين بينغ مع بعض أجنحة الحزب الشيوعي، مما قد يدفعه إلى ضم تايوان بالقوة، لفرض سيطرة طويلة على الحزب.

الصورة

وليس هذا رأي الجنرال مايك مينيهان بمفرده، فقد أكد العديد من الجنرالات وقيادات الكونجرس أن المعركة الفاصلة بين الولايات المتحدة والصين قد تندلع قريباً، وليس بعد عام 2030، ومنهم الرئيس الجديد للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب مايك ماكول، الذي تحدث عن التوقيت الزمني الذي قدمه الجنرال مينهان وقال: آمل أن يكون مخطئاً.. لكنني أعتقد أنه على حق.

وتقدم «التفاعلات العسكرية والسياسية» الجديدة في شرق وجنوب آسيا صورة كاملة الأبعاد ل«فخ ثيوسيديدس» الذي يقتضي دخول الصين والولايات المتحدة في معارك عسكرية فاصلة، لتحديد من هي الدولة والأمة التي سوف تهيمن على العالم، وإنهاء ظاهرة ما يُسمى ب«القطب الواحد» و«القرن الأمريكي»، فهل يندلع «صراع مسلح» بين الصين من جانب، والولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين من جانب آخر؟ وهل الوقوع في «فخ ثيوسيديدس» أمر حتمي وضروري لكي تحل «قوة صاعدة» محل «قوة مهيمنة؟»، وإلى أي مدى تشكل «مساحات التعاون» و«الاعتمادية الاقتصادية» بين البلدين، حائط صد، وفرصة لإجهاض الدخول في «فخ ثيوسيديدس»؟

الصورة
  • ما هو «فخ ثيوسيديدس»؟

تعود فكرة «فخ ثيوسيديدس» للفترة بين 460 - 400 قبل الميلاد، عندما رصد المؤرخ الإغريقي الشهير «ثيوسيديدس» تطورات الصراع لمدة 25 عاماً في ذلك الوقت بين «قوة صاعدة» هي أثينا، وقوة مهيمنة هي «إسبرطة»، وكانت الحرب فقط هي الوسيلة التي قادت لتحل أثينا محل إسبرطة في قيادة العالم، والحديث عن وقوع الصين والولايات المتحدة في «فخ ثيوسيديدس» لم يأتِ فقط على لسان المنظرين السياسيين أمثال غرهام ألسيون مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق في كتابة «يمضيان نحو الحرب، هل يمكن لأمريكا والصين أن يهربا من فخ ثيوسيديدس؟»

Destined to war: Can America and China escape from Trap of Thucydids بل تحدث الرئيس الصيني نفسه أكثر من مرة عن «فخ ثيوسيديدس»، منها على سبيل المثال أمام المؤتمر المركزي للعمل الاقتصادي، كما تحدث عن «فخ ثيوسيديدس» الجنرال الصيني الكبير، شو كي ليان الذي يحتل المرتبة الثانية في قيادة القوات المسلحة في البلاد، بعد الرئيس الصيني، وفقاً لصحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست» والذي قال: في مواجهة «فخ ثيوسيديدس»، يجب على الجيش الصيني زيادة قدرته بسرعة.. يجب أن نحقق اختراقات في أساليب القتال والقدرة، وأن نرسي أساساً سليماً للتحديث العسكري.

ووفق دراسة قدمها غرهام ألسيون، فإنه خلال ال500 عام الماضية حلت 16 «قوة صاعدة» مثل الصين في وضعها الحالي، محل 16 قوة أخرى كانت مهيمنة مثل الولايات المتحدة، لكن في 4 مرات فقط، حلت قوة صاعدة محل قوة مهيمنة بالسلام من دون الدخول في الحرب، ومن دون الوقوع في «فخ ثيوسيديدس»، بينما في 12 مرة حسمت القوى الصاعدة مكانها على رأس النظام العالمي عبر «الحرب والصراع المسلح»، وهو ما يقول إن نسبة دخول الولايات المتحدة والصين في صراع مسلح تصل إلى 75% مقابل 25% فقط لصعود بكين من دون مواجهة عسكرية مع واشنطن، ولهذا يعتقد غرهام ألسيون أن الصين والولايات المتحدة على «مسار تصادمي» وهو تكرار لنفس السيناريو الذي قام على أن «صعود أثينا، والخوف الذي ترسخ في إسبرطة، جعل من الحرب أمراً لا مفر منه»

  • إنفاق عسكري غير مسبوق

تحليل الخطاب السياسي والعسكري الأمريكي والصيني خلال العامين الأخيرين يقول إن هناك تقلصاً شديداً لمساحات التعاون المشترك بين أكبر اقتصادين في العالم، بعد أن اشتدت الخلافات حول بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، وجزر سينكاكو، وتايوان وهونغ كونغ والتبت وشينجيانج؛ «تركستان الشرقية»، ولعل إسقاط المنطاد الصيني أمام سواحل ولاية نورث كارولينا، بعد مروره فوق مخازن الأسلحة النووية والقاذفات الاستراتيجية الأمريكية، وإلغاء أول زيارة لوزير خارجية أمريكي للصين منذ عام 2018، خير مثال للأحداث التي يمكن أن تتطور، وتؤدي إلى وقوع الصين والولايات المتحدة في «فخ ثيوسيديدس»؛ حيث تعد واشنطن وبكين أكبر دولتين تنفقان على السلاح في العالم، وبلغ مجموع المخصصات الحربية في البلدين نحو تريليون و150 مليار دولار سنوياً، بعد أن خصصت الولايات المتحدة للميزانية الدفاعية عام 2023 نحو 850 مليار دولار، كما أن آخر ميزانية عسكرية معلنه من الصين تصل إلى نحو 295 مليار دولار، وهناك سلسلة من الأسباب قد تعجل بالصدام العسكري؛ ومنها:

1- الصراع الأيدلوجي، وهو ما يجعل فرص «الحلول الوسط» صعبه للغاية، فالخلاف بين الصين والولايات المتحدة ليس صراعاً فقط على المصالح التجارية أو حتى النفوذ السياسي؛ إذ إن هناك صراعاً أيدلوجياً محتدماً بين الطرفين، فالولايات المتحدة ترسم صورة قاتمة للصين من خلال تركيز دعايتها على الحزب الشيوعي الصيني، كما أنها تستهدف قيادات الحزب في بعض العقوبات، ومنها الدخول إلى الأراضي الأمريكية، وعندما يتحدث الرئيس جو بايدن عن «تحالف القيم الديمقراطية» يصور الصين وكأنها هي النقيض ل«المبادئ الأمريكية والغربية»، ولهذا عندما وصفت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي صدرت في 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الصين بأنها «التهديد الإستراتيجي للولايات المتحدة والقيم الغربية» سارع حلف الناتو بالسير على نفس النهج، وأعلن أن الصين تشكل «تحدياً إستراتيجياً لدول الحلف الثلاثين»، وتكرر نفس الأمر في الإستراتيجية الدفاعية الجديدة لليابان.

2- الحشد العسكري، فالصين وصلت إلى مستويات لم تبلغها من قبل في جميع أنواع الأسلحة، ويكفي الإشارة إلى أنه أصبح للصين 3 حاملات طائرات بنهاية العام الماضي، بعد أن نجحت في تصميم حاملة الطائرات «فوجيان»؛ وهي تشبه حاملة الطائرات الأمريكية «يو إس إس تيودور روزفلت»، كما أن الصين أضافت قدرات نووية عملاقة، كما قالت صحيفة «واشنطن بوست» في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، عندما كشفت أن الصين استحدثت 119 منصة إطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات قرب مدينة يويمين بمقاطعة غانسو.

على الجانب الآخر، تتمسك الولايات المتحدة بإرسال الأسلحة إلى تايوان، وتدعم الإستراتيجية الدفاعية الجديدة لليابان، والتي سوف تنفق بموجبها 320 مليار دولار حتى عام 2027، وتتمسك بإجراء المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية، كما اتفقت الولايات المتحدة والفلبين على توسيع قائمة القواعد العسكرية التي يمكن للقوات الأمريكية استخدامها في الأراضي الفلبينية؛ حيث الخلاف الفلبيني الصيني على حقوق السيادة في بحر الصين الجنوبي، ويسمح الاتفاق الجديد للجيش الأمريكي باستخدام 4 قواعد عسكرية جديدة في الفلبين، إضافة إلى 5 قواعد أخرى نصت عليها الاتفاقية الدفاعية بين البلدين عام 2014.

  • تعبئة الرأي العام

3- التعبئة الداخلية، فالصين والولايات المتحدة تسعى كل منهما إلى تعبئة الرأي العام الداخلي ضد الطرف الآخر، ولهذا تعد الصين هي القضية الوحيدة التي عليها إجماع في الداخل الأمريكي، وبين صفوف الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وخير دليل على ذلك أنه عندما غادر الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض، توقع البعض تحسن العلاقات الأمريكية الصينية، لكن العكس كان هو الصحيح، وفي قضية إسقاط المنطاد الصيني، كان هناك شبه إجماع في الحزبين على ضرورة التعامل بحزم وحسم مع الصين، وعلى الجانب الصيني تنظر الحكومة الصينية للتنافس مع الولايات المتحدة باعتباره يغذي الشعور الوطني والقومي لدى الصينيين، كما أن تحليل واشنطن للخطاب السياسي والإعلامي للحزب الشيوعي الصيني يقول إن بكين تعمل على رفع «الحس القومي» المناهض للولايات المتحدة.

4-غياب «الحوار الإستراتيجي الصيني الأمريكي لوقف التدهور في العلاقات بين البلدين»، وعدم توصل واشنطن وبكين لأي «مقاربة أمنية» تمنع الانزلاق نحو السباق النووي، فالولايات المتحدة عندما انسحبت من اتفاقية «منع ونشر الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى في أوربا» في أغسطس/ آب 2019، كانت تأمل في انضمام الصين لهذه الاتفاقية، لكن بعد رفض الصين الدخول في مثل هذه الاتفاقيات، أعلن وزير الدفاع الأمريكي الأسبق مارك أسبر عن نشر تلك الصواريخ في آسيا بالقرب من الصين عام 2020، ويأتي في هذا السياق، تسليح الولايات المتحدة لأستراليا ب«الغواصات النووية»، وقبل ذلك أعلنت بريطانيا التي تشارك أمريكا وأستراليا في «تحالف أوكوس» العسكري، في 16 مارس/ آذار 2021 أنها سوف تزيد عدد الرؤوس النووية لديها بنسبة 40% لتصل إلى 260 قنبلة نووية، بدلاً من 180 رأساً نووياً في الوقت الحالي.

  • نظرية «الأناكوندا»

5- شعور الصين بأن الولايات المتحدة تطبق عليها النظرية العسكرية الأمريكية الشهيرة المعروفة باسم «الأناكوندا»؛ وهي نظرية عسكرية استخدمتها قوات الشمال ضد الجنوب في الحرب الأهلية الأمريكية، وتقوم على أن ثعبان «الأناكوندا» يقوم بالالتفاف حول ضحيته حتى يموت، وترى بكين ذلك في دعم واشنطن لأقاليم تايوان وهونغ كونغ والتبت وشينجيانج في الداخل الصيني ضد سياسيات الحكومة الصينية، وكذلك تقديم واشنطن كل أنواع الدعم العسكري ل5 دول في بحر الصين الجنوبي، إضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية والهند وأستراليا وبعض جزر المحيط الهادئ ضد بكين.

6-اتساع مساحة خطاب القوة والمفردات العسكرية بين البلدين، فالصين لا تتوانى أن تقول إنها سوف تدافع بكل ما تملك من قوة لمنع انفصال تايوان عن الأمة الصينية، وقال وزير الدفاع الصيني وي فنجي في كلمته التي ألقاها في مؤتمر شانجريلا للأمن في 12 يونيو/حزيران الماضي، إن الصين لن تتردد في القتال، و«ستقاتل بأي ثمن» حتى النهاية، إذا تجرأ أي شخص على فصل تايوان عن الصين، فلن يتردد الجيش الصيني في بدء حرب مهما كلف الأمر، وأن بكين ستسحق إلى أشلاء أي مخطط لاستقلال تايوان.

7- دخول حلف «الناتو» في مواجهة مع الصين مباشرة، بعد أن أعلن الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ خلال زيارته هذا الشهر لكوريا الجنوبية واليابان بأن الصين خطر على دول الناتو، لأنه بات لديها صواريخ تستطيع أن تصل إلى كل دول الحلف بما فيها الأرضي الأمريكية، ويضاف جهد الناتو ضد الصين للتحالفات الأخرى التي أسستها واشنطن للعمل ضد بكين مثل تحالفات الأوكوس، وكواد الرباعي، والعيون الخمس.

8- «غرفة عمليات الحرب»، لأول مرة منذ ما يقرب من 8 عقود من الوجود الأمريكي في الأراضي اليابانية، اتفقت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان على توسيع نطاق مشاركة «المعلومات الإستراتيجية»، للرد المشترك على التهديدات الصينية، وهو تنسيق يوصف بأنه يشبه «غرفة عمليات الحرب» وهو أعلى مستوى من التأهب ضد الأطراف المعادية.

  • مظلة الحماية «النووية»

9- تعهدت الولايات المتحدة لأول مرة في التاريخ بتقديم مظلة حماية أمنية «نووية» لكل من اليابان وكوريا الشمالية حال تعرضهما لأي هجوم من الصين أو كوريا الشمالية؛ حيث قال وزير الدفاع الأمريكي خلال زيارته لسيؤول في 31 يناير/ كانون الثاني الماضي «الولايات المتحدة ملتزمة باستخدام كافة وسائل الردع التقليدية والنووية لحماية كوريا الجنوبية واليابان، وسوف نجري تدريبات لتعزيز الردع ضد التهديدات النووية»

10- سعي الولايات المتحدة إلى جانب حلفائها الآسيويين والغربيين لفرض حصار تكنولوجي، خاصة على «أشباه الموصلات» الصينية؛ وذلك من خلال توقيع اليابان والولايات وهولندا على اتفاق يضع «قيوداً» على وصول «أشباه الموصلات» إلى الصين، وتهدف واشنطن إلى حرمان الصين من أن تكون «ورشة العالم»؛ بل نقل هذه الورشة إلى دول مجاورة مثل الهند وكوريا الجنوبية واليابان وفيتنام والفلبين وسنغافورة وماليزيا

***
لكن على الرغم من كل هذا التسخين السياسي والعسكري، فإن هناك أملاً في عدم وقوع الصين والولايات المتحدة في «فخ ثيوسيديدس»، فهناك دائماً نسبة أمل تقترب من الـ 25% للهروب من الصراع المسلح، اعتماداً على ما لدى البلدين حتى اليوم من علاقات ومصالح كبيرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/37n95969

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"