تأجيل جبهة الصين

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

القاعدة التقليدية في سياسة الولايات المتحدة ألاّ تفتح أكثر من جبهة صراع نشط في وقت واحد. ومع وجود جبهة منذ نحو عام مع روسيا ساحتها الحرب في أوكرانيا فالمنطقي ألاّ تفتح واشنطن جبهة نشطة مع الصين في الوقت الحالي. لكن حادث المنطاد الصيني في الأجواء الأمريكية كاد يؤدي إلى استثناء لتلك القاعدة.

صحيح أن الاستراتيجية الأمريكية الخارجية لإدارة الرئيس جو بايدن، والتي تحدث عنها بإسهاب قبل انتخابه رئيساً في عام 2020، هي مواجهة صعود روسيا والصين، إلا أنه من الصعب تصور أن يكون ذلك بالتزامن وإلا كان التصعيد حول تايوان العام قد جر الصين إلى صراع مسلح وبدء حصارها بالعقوبات كما هو الحال مع روسيا.

كان هدف من وضعوا تلك الاستراتيجية لبايدن هو استعادة الدور الريادي الأمريكي في العالم قوةً عظمى متفردة في نظام أحادي القطب يعتقد هؤلاء بأن فترة حكم الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب أضرت به. على أن يكون ذلك عبر «تحالف غربي واسع» تقوده واشنطن، وهو ما حدث بشكل أو بآخر في الموقف من روسيا مع حرب أوكرانيا وساعد على حصار موسكو اقتصادياً.

من الواضح أن الإدارة الأمريكية، التي خسرت مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس العام الماضي، وتستعد لانتخابات رئاسية العام القادم، لا تريد أن تفتح جبهة الصين الآن. وإن كانت مستمرة في سياسات العقوبات والقيود التجارية والاقتصادية على بكين التي بدأها في الواقع الرئيس السابق دونالد ترامب.

صحيح أن الصين نفت أنه منطاد تجسس وأنه لأغراض مدنية منها بحوث الطقس وأنه «انجرف» إلى الأجواء الأمريكية نتيجة ظروف قاهرة خارج إرادة مشغليه. على الرغم من أن الأمريكيين يقولون إنه كان يحلق فوق مواقع حساسة منها مطار وموقع صواريخ. وبالتالي فإسقاط المنطاد مبرر، لذا اقتصر رد فعل الصين على إسقاط المنطاد بانتقاد «رد الفعل المبالغ فيه».

كان حادث المنطاد فرصة مناسبة للتصعيد مع الصين إذا رغبت واشنطن من اللحظة الأولى، لكنها في البداية تعاملت بطريقة تفادي التصعيد لأسباب مختلفة. منها ما هو داخلي أمريكي ومنها ما يتعلق بحلفاء واشنطن الذين ما زالت تعزز «تحالفهم الموسع» في مواجهة روسيا. ولم تقرر إدارة بايدن إسقاط المنطاد إلا عندما زايد عليها الرئيس السابق ترامب الذي ينوي المنافسة في الانتخابات العام القادم.

ليس الأمر غير مسبوق، فالتجسس والاستطلاع من قبل كل الأطراف على كل الأطراف يجري طوال الوقت. ولا يصبح مشكلة إلا حين يقرر طرف أن يجعل منه أزمة لأغراض أخرى. ولعلنا نتذكر طائرة التجسس الأمريكية التي اصطدمت بطائرة صينية عام 2001 واستولت عليها الصين واحتجزت طاقمها لأسبوعين قبل أن تقرر تفكيكها وإعادتها لأمريكا في صناديق.

واضح أن قاعدة الجبهتين تقترب من انتهاكها. ربما ليس لأن واشنطن تريد ذلك، لكن لأن الصين لا تريد أن تظل في موقع رد الفعل منتظرة انتقال أمريكا إلى المرحلة التالية من استراتيجيتها لمواجهة صعود موسكو وبكين. وعلى الرغم من أن الحديث عن تحدي صيني لمبدأ عالم القطب الواحد، والسعي مع روسيا وغيرها للدفع باتجاه عالم متعدد الأقطاب، يبدو مبالغاً فيه فإنه يمثل شكلاً من أشكال التحدي للنهج الأمريكي الساعي إلى تعزيز ريادة واشنطن بقيادتها تحالفاً عالمياً واسعاً.

كما أن التصعيد العسكري الأخير في أوكرانيا، ببدء توفير الدبابات والمدرعات الأمريكية والأوروبية لكييف لمواجهة القوات الروسية، يعني أن الصراع مع روسيا وصل إلى مراحل متقدمة ربما ستؤتي أوكلها هذا العام – بغض النظر عن نتيجة الحرب.

هناك من يرى أن أوروبا، التي تحتاج إلى المظلة العسكرية الأمريكية ضمن حلف الناتو، اعتبرت الحرب الروسية في أوكرانيا خطراً مباشراً عليها لذا كانت أكثر إقداماً وفاعلية في السير على النهج الأمريكي لمواجهة روسيا. لكن فيما يتعلق بالصين، ربما لا يكون التوافق الأمريكي – الأوروبي بالقدر نفسه، وذلك لأسباب تتعلق بالمصالح الاقتصادية غير المتطابقة للأوروبيين والأمريكيين فيما يخص العلاقات مع الصين.

وذلك ما يجعل الأمريكيين يسربون بكثافة في الآونة الأخيرة تفاصيل عن مساعدة الصين لروسيا في حرب أوكرانيا، وتوفير التكنولوجيا التي تحتاج إليها روسيا وحرمت منها بسبب العقوبات الغربية. وتلك عملية بناء تراكمية لمبررات استهداف الصين.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc3wxxfe

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"