زلزال كأنه القيامة

00:47 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

مأساة مهما كُتب عنها، تبقى الحروف عاجزة عن وصف هولها، لم يكن يتخيل الناس أن تأتيهم الضربة الموجعة وهم نائمون بزلزال مدمر يقضي على الآلاف منهم ويترك مئات الآلاف مشردين، وآلاف البيوت مهدمة؛ بل إن تبعات الفاجعة قد تمس أكثر من 23 مليون إنسان، ويشمل الرقم نحو مليون طفل، بفعل الدمار الكبير في البنى التحتية، من انهيار لجسور وتدمير مطارات ومعابر وشوارع، وضغط على القطاعات كلها وأبرزها الطبية والغذائية.

الكارثة المفاجئة شكلت صدمة كبيرة، ومشاهدها وصفها البعض بأنها من يوم القيامة، حيث تخطى أعداد الضحايا 20 ألف قتيل وعشرات آلاف الإصابات في جنوب شرقي تركيا وشمالي سوريا، بينما الأرقام مرشحة للارتفاع، كما تأثر بالزلزال وتوابعه الارتدادية مساحات شاسعة، الأمر الذي فاقم الضغط على فرق الإنقاذ التي واصلت الليل بالنهار لإنقاذ العالقين.

لكن عمليات الإنقاذ لم تكن سيّان في الدولتين، فتركيا تمتلك كامل المقومات، فهي لم تتعرض لهزات سياسية أثرت في عملياتها؛ بل إنها تلقت الدعم الكامل من عشرات الدول مباشرة، بينما الأمر في سوريا مغاير تماماً؛ إذ إن البلاد قد أنهكتها الحرب، ودمرت بناها التحتية وأَخلّت باستجابتها السريعة في مثل هذه الحالات، فقد تعرضت لاستنزاف أرجع بلد الحضارة سنوات للوراء، وربما لهذا كانت أعداد الضحايا أكبر والمصاب أعمق، لأن بيوت النازحين لم تكن مهيأة أساساً لاحتمال هزة بهذا الحجم، كما أن ثمة مناطق لا يصلها الدعم إلا من خلال تركيا التي تتشارك هي أيضاً نفس المصاب الجلل من الزلزال، في حين تعرضت المعابر الحدودية لأضرار منع من ضخ المساعدات العاجلة.

أولى المساعدات الأممية وصلت لمناطق الشمال السوري عبر 6 شاحنات بعد ثلاثة أيام من الزلزال، إلا أنها تعد شحيحة جداً أمام الواقع المعاش، ففرق الإنقاذ هناك لا تمتلك في الأساس إلا النزر اليسير، وتتعامل مع أدوات شبه بدائية، وتفتقر إلى الآليات والرافعات، وليس ثمة أفق لحل هذه المعضلة، التي تحاول الأمم المتحدة فتح أكثر من معبر لمدهم بها، لكن إلى حين ذلك، فإن الضحايا سيتضاعفون، فمع مرور كل ساعة تتضاءل فرص النجاة للمطمورين بالكتل الإسمنتية، خصوصاً في ظل الأجواء الثلجية، بينما مناطق سيطرة الحكومة السورية ليست بأفضل أحوالها نتيجة الحصار الغربي المطبق عليها الذي حرم البلاد من أدنى مقومات الصمود.

في هذا الظرف الحرج، يتعين عدم تسييس الفاجعة، والعمل على تجاوز العقوبات المفروضة والخلافات السياسية السورية البينية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في ظل نقص شديد في كل شيء، فالضحايا هنا مدنيون من أطفال ونساء وعجائز، وليسوا مسؤولين «مُختلف معهم» يتبعون للطرف هذا أو ذاك.

لن تتعافى المنطقة بسهولة، فمع انقضاء العمل على إنقاذ البشر، ثمة حاجة ملحة إلى الإغاثات الإنسانية، عبر توفير المأوى والمسكن، وتعويض أهالي الضحايا، وسيلمس السوريون هذا النقص قريباً مع انقضاء سكرة الصدمة، لذا يتعين على العالم العمل بجد للوقوف مع البلد الجريح، فقد آن لهذا الشعب أن يتعالى على جراحه، ويرفل بالأمن الذي افتقده لسنوات.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr75f272

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"