محنة الزلزال ومِنَحُه

01:15 صباحا
قراءة دقيقتين

هل ينتبه العالم إلى ما في محنة الزلزال من منح؟ قد يستغرب البعض ربط هذه الكارثة بمنح بينما توابعها المؤلمة تتداعى على نحو يدمي القلوب المبرأة من التسييس والتجييش والتنظير في أمور ينبغي ألاّ يحكمها إلا الشعور الإنساني الخالص.

من منح الزلزال سقوط كثير من الحسابات السياسية التي تحكمها في السياقات العادية المماحكات والتراشق الإعلامي والتنافس الأعمى في معظم حالاته.

صحيح أننا لم نعدم من استغل المأساة للتجارة السياسية أو تصفية الحسابات مع هذا الفريق أو ذاك، ومن واصل الرقص فوق الجثث، لكن السلوك الأغلب كان إنسانياً ينتصر لقيمة الفرد أو لنقل النفس البشرية التي هي أغلى من كل شيء.

ليس عيباً تمني أن يبقى هذا السلوك رفيقاً لكل عمل سياسي، وليس خيالاً أن تبقى السياسة مرادفاً للمصلحة والمراوغة واقتناص اللحظة من غير تغييب الفرد وإنسانيته؛ بحيث تبقى هذه الإنسانية محور كل فعل وقول.

إذا نجح العالم، خاصة أجنحته المتصارعة، في القبض على هذه اللحظة الإنسانية التي تجلت بعد المأساة لأصبحنا أمام منحة جديدة يجد فيها الإنسان خلاصه واطمئنانه إلى أنه لن يصبح في أية لحظة وقود مغامرة سياسية أو شطط «مسؤول».

لا شوفينية في القول إننا، عرباً ومسلمين، أقرب إلى هذا النموذج السياسي المبتغى؛ إذ تناسينا المصائب كل خلاف فيتحول إلى جسور للمحبة والخير تغيث الملهوف وتداوي الجريح بروح الفروسية والشهامة.

ومن واجبنا أن نبذل ما في الوسع لتعميم هذا النموذج الذي يحكم تصرف دول أخرى في هذه اللحظة المحملة بالكثير من الوجع الإنساني، لكن الخشية من تناسيه بسرعة والعودة إلى النهج السقيم الذي لا يتبصر إنسانية الإنسان وإنما يبصر انتماءاته وانحيازاته فيستحلّ دمه على أساسها.

لا يجوز أن ينسى العالم بسرعة المشاهد الإنسانية المتعددة في تفاصيل الكارثة. ولهاثنا حول متابعة أرقام الضحايا، قتلى ومصابين، لا يمنعنا من الوقوف عند الجهود الإنسانية لإنقاذ من تنتظره فرصة جديدة للحياة.

تحلّق فرق إنسانية من أقطار عدة تمتزج مشاعرها حول ركام المأساة بحثاً عن روح حية مجهولة الهوية والانتماء، تعبير صادق عن الضمير الإنساني الحقيقي، لكن ما ضمانة ألاّ يغفو مرة أخرى حين تنزاح الأطلال وينبت مكانها بنيان جديد يغري بمواصلة الصراع؟

المنحة الأكبر أن يغتنم المعنيون هذه اللحظات الصادقة لتبقى أمام الأعين عند كل فعل سياسي يتعامى عن قيمة البشر ويجعلهم هدفه أو سلاحه في أي صراع.

لن تنتهي الصراعات؛ فهي جزء من طبيعة البشر والدول، لكن كما يتوجب على الإنسان الاعتبار من دروس الحياة، على الجماعات السياسية أن تعرف أن ثواني معدودة يمكن أن تدمر ما أنفقت عقوداً من مال وبشر، فتتعظ.

لا معنى لصراعات يلقى الآلاف؛ بل الملايين، في أتونها بينما تجبرنا ثوانٍ على أن ننفق الأيام ننبش في أطلال المآسي بحثاً عن ناجٍ، أليس ذلك من محيرات السلوك السياسي؟

كيف نجاهد لمنح نفس واحدة حياة أخرى بإخراجها من تحت الأنقاض، بينما الجنون يدفع البعض لقتل الآلاف؟ هل الحياة بالمُفرق والموت بالجملة؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yjwrh22z

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"