الكتابة الجديدة

01:09 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

هل أوشك عصر الكتابة على الانتهاء؟ هل تفاجئنا التكنولوجيا في المستقبل القريب بأداة جديدة نستطيع من خلالها أن نعبّر بها عما يجول في عقولنا ومشاعرنا ونتواصل بها مع الآخرين؟ يبدو أن البشر تنتابهم منذ سنوات حالة ضجر تجاه الكتابة.

في عام 2008، تنبأ الشاعر والصحفي اللبناني، أنسي الحاج، بصعود المقال الصحفي كبديل لكل أشكال الكتابة الإبداعية: رواية، شعر، وقصة. تلك الأشكال التي كانت وصلت إلى طريق مسدود، ولم يعد لديها ما تقدمه، ولم تمّر سنوات قليلة إلا وأقبل البشر على الكتابة الاختزالية التي نقرأها على مواقع التواصل، فكلمات قليلة تكفي لكي نقول كل ما نريد، وتكفي أيضاً لكي نتواصل مع بعضنا بعضاً، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل، وللمرة الأولى في التاريخ، تؤثر ثقافة الناس من أسفل في عمل وسائل الإعلام والمؤسسات المعنية بالتثقيف، والتي باتت كلها تداعب هؤلاء البشر، بدلاً من توجيههم، وتنشر لهم الأخبار والمعلومات الضرورية في كتابة تشبههم، أي أن الأمور تسير نحو الاختزال، من المقال إلى التغريدة إلى ربما شكل جديد يفصح عنه الغد.

من جانب آخر، وبعكس تنبؤ الحاج، تزايدت أعداد الروايات المنشورة، وشهد إنشاء دور النشر طفرة في معظم البلدان العربية، ودخلت كلمات مستقاة من «فن الرواية» إلى صلب الخطاب العام، مثل مصطلح «السرد»، فضلاً عن ظواهر عدة أخرى تؤكد أن الكتابة بصفة عامة، على وشك دخول عصر ذهبي جديد، إذن، لماذا نشكو من أن الكتابة الإعلامية تحديداً، باتت تميل إلى الاختصار؟ وبإمكان أحدهم أن يسأل: أليس هذا أفضل من الحشو والتطويل؟ ما حاجتنا اليوم إلى التفاصيل؟

الواقع أن طفرة الكتابة والنشر، تعبّر عن الكم، ولم تفرز شيئاًَ نوعياًَ حتى الآن، وهي تعكس ثقافة مواقع التواصل إلى حد كبير، فالرواية باتت وسيلة للحكي والفضفضة، ولم تعد ذلك الفن الرفيع معروف القواعد. وكما بات الجميع يكتب بسهولة مطلقة تغريدة، باتوا أيضاً يكتبون الرواية، وتراجع الشعر والفكر إلى المؤخرة، فهما يحتاجان إلى مناخ آخر: تعليم أكثر جودة، ورؤية، وطول نفَس، وهّم ثقافي بالدرجة الأولى، وحتى إذا تأملنا الكتب الصادرة الآن على المستوى الشكلي سنجدها صغيرة الحجم، ويبدو أن سمة الاختزال تغزوها رويداً رويداً، وبات القارئ يفكر أكثر من مرة قبل أن يقدم على مطالعة كتاب ضخم، وهذا ليس من باب المزاح، أو السخرية، ولكنها حقيقة يعرفها كل قارئ الآن.

الكتابة الجديدة، بشقّيها: الإعلامي والأدبي، وبشكلها الاختزالي، لا تحتاج إلى ناقد، أو سلطة، أو هي نشأت في زمن يخلو من سلطة كانت توجه الكتابة، وتحافظ لها على حد أدنى من القواعد الخلّاقة، تمثلت تلك السلطة في وسط نخبوي يراجع، وناقد يرصد ويحلل، وكاتب رمز يضع المعايير. ولن يمر وقت طويل حتى تدخل تلك الكتابة الجديدة في أزمة تكون فيها على المحك، إما أن تنشأ كتابة جديدة، أو نكون ساعتها في عصر اخترع أدوات أخرى للتعبير.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc27eknb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"