الإمارات.. الدولة النموذج

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شرّاب

نجحت دولة الإمارات في أن تتحول إلى الدولة النموذج في البناء والتنمية السياسية لدول العالم الثالث التي عانت كثيراً في عملية التحول من المرحلة التقليدية إلى مرحلة بناء الدولة الحديثة. وهنا يبرز هذا النموذج في نجاحه في تقديم الحلول لأزمات التنمية التي كثيراً من دول العالم لم تحقق نجاحاً في كثير منها إن لم يكن كلها. وهذه الأزمات تتعلق بالهوية السياسية والشرعية السياسية والمشاركة السياسية وتوزيع الموارد.

كيف نجحت الإمارات في تجاوز هذه الأزمات وصولاً للدولة الناجحة أو الدولة القادرة على أداء وظائف النظام السياسي؟ هذا يقودنا للإشارة إلى نجاح الإمارات في أداء وظائف النظام السياسي على مستوى مخرجاته وهي وظيفة صنع القاعدة أي الوظيفة التشريعية، وذلك من خلال رفع كفاءة هذه السلطة بالانتخابات والتعيين واستقطاب الكفاءات والتمكين السياسي لكل المواطنين. ووظيفة تنفيذ القرار تعني تعميق المؤسساتية ورشاد القرار بالمشاركة، والجماعية التي يمثلها المجلس الأعلى للحكام واللقاءات الدورية على مستوى صنع القرار وتفعيل دور مؤسسات الفكر والبحث، وتطبيق القاعدة بتأصيل تطبيق القانون والعدالة، وتفعيل الوظائف على مستوى بيئة النظام وأهمها وظيفة التجنيد السياسي بفتح الأبواب للمواطن في صنع القرار والسياسة العامة والإصغاء لحاجات المواطن. ووظيفة التواصل الاجتماعي من خلال خلق قنوات الاتصال بين النخب الحاكمة سواء بالحفاظ على الطريقة التقليدية بالتواصل المباشر وما تمثله مجالس الحكام كأعلى درجات الديمقراطية.

ولعل مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد رئيس الدولة حفظه الله: «لا تشيلون همّ»، تلخص كل هذه الوظائف، كما تلخص العلاقة بين الحاكم والمحكوم. والسؤال المهم في هذا السياق هو: كيف تغلبت دولة الإمارات على أزمات التنمية السياسية التي شكلت عائقاً في العديد من النماذج في دول العالم الثالث، ونجاح الإمارات يقدم أنموذجاً للكثير من هذه الدول.

هذه الأزمات المتعارف عليها، وأولها أزمة الهوية، التي لا تقتصر على الدول النامية إنما على الدول المتقدمة تواجه هذه المشكلة، كما نرى في الولايات المتحدة وغيرها. لقد نجحت الإمارات في بناء الهوية القانونية التي جسدتها جنسية الدولة والهوية الوطنية التي قامت على عملية الانصهار الكامل للمواطن وتحوّله من إنسان ينتمي إلى إمارة، إلى مواطن ينتمي إلى دولة وأمة تجمع ما بين أصالة التقاليد والعادات والتاريخ والأرض إلى اكتساب عناصر التنوير والانفتاح وبناء منظومة متميزة من القيّم التي تميز مواطن الدولة الذي إذا سئل عن هويته ستكون إجابته «أنا إماراتي».

هذا النجاح تحقق ببناء دولة قوية وسلطة وحكم رشيد وإيلاء الأولوية لحاجات المواطن، هذا إلى جانب وجود مئتي جنسية عملت الدولة من خلال عملية التكامل على أن يتحولوا لعامل قوة ومساندة. وهذه الهوية الوطنية ونجاحها يتمثل في المساواة القانونية والتمتع بكافة الحقوق التي يتمتع بها أي مواطن في الدولة. وفي هذا السياق يتلخص حل الأزمة بأن المواطن يرى نفسه في هوية الدولة، والإمارة ترى نفسها في هوية الدولة التي تجسدها نجاح عملية بناء الدولة الرشيدة الواحدة. والهوية هنا لا تلغي ما دونها لكنها تعطي الأولوية للهوية الأعلى وهي الهوية الوطنية. وأساس هذه الحقوق المساواة والمواطنة الواحدة أو ما يسمى روح المواطنة الواحدة ومنظومة القيم المشتركة.

الإمارات تقدم نموذجاً رسّخ جذوره المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، ببناء الإنسان وفتح أبواب التعليم أمامه وتوفير البيئة الصالحة له من خلال عملية تربية وتنشئة وطنية. ولم تقتصر المشاركة على الرجل فقط، بل اتسعت عملية التمكين السياسي لتشمل المرأة، ونرى صورها في انتخابات المجلس الوطني وتقلُّد المرأة المناصب في كل المستويات وفي تولي المناصب الوزارية.

كما نجحت الدولة في تفعيل شرعية الإنجاز والعقلانية التي تقوم على القدرة والأداء، فالشرعية بمصادرها التقليدية هي شرعية الإنجاز، وهنا تسود مبادئ المسؤولية والرقابة والمحاسبة. كذلك نجحت الدولة في الوصول إلى كل بيت في الدولة بتقديم كافة الخدمات. والشعار هنا إن الدولة لا تنتظر أن يأتي المواطن إليها، بل هي من تذهب إليه. ويبقى الإنجاز المهم الذي يتمثل في تنمية موارد الدولة والانتقال من الدولة الريعية إلى الدولة اللاريعية وتوزيع موارد الدولة على المواطن من خلال تبني رفاهية المجتمع، وهذا يظهر في التعليم والصحة والمساكن والطرق وغيرها، والقدرة على الاستجابة لكل الحاجات المتزايدة وسد الفجوة بين الحاجة والقدرة ما يوفر حالة الاستقرار.

هذا هو النموذج الذي تقدمه دولة الإمارات والجدير بالدراسة والإلهام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4tmhm5t4

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"