«نوبل» للنبلاء

00:29 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

من أي باب يشاء القائمون على جائزة «نوبل» أن يدخلوا، فالطريق معبّد هذا العام أمام فرق الإنقاذ التي تداعت من دول كثيرة إلى المناطق المنكوبة بالزلزال في سوريا وتركيا، تحاول بكل ما تملك من قوة بشرية وأدوات، استرجاع الأرواح من فم الموت.

لولا هذه الفرق ما رأينا المعجزات تتجلى من تحت الأنقاض مناقضة لما استقر عليه الفهم البشري من حقائق الموت والحياة، وحسابات البقاء والفناء.

وإن كان في إحياء نفس واحدة حفظاً للناس جميعاً، فإن النفوس التي عاونتها هذه الفرق على النجاة بين رضّع ومسنّين، وما بينهم من فئات عمرية أخرى، عناوين حيوات عدة تصفع تجار الموت تحت ستار الدين أو السياسة.

وهذه الفِرَق التي لم تسع إلى اختطاف الكاميرات أو ادعاء البطولة وتحركت فور وقوع الكارثة، بإرادة إنسانية من الدول الممثّلة لها، تصلح نموذجاً حياً للتعاون الدولي المفترض في صون النفوس وعصمة الدماء. وليس من الرشاد أن ينفضّ هذا التجمع الإنساني النبيل من غير أن يقف المتصارعون حول العالم أمامه طويلاً ليعرفوا إن خلصت النوايا أن فرص التلاقي البشري أكبر من السعي إلى خراب بلدان وتشريد أبرياء أو حرمانهم من حق الحياة.

في قلب هذا التجمع أيضاً البشر الذين وجّهوا بحشد الجهود الإنسانية، والذين اجتمعوا في نقاط انطلاق المساعدات، أو رافقوها، غير عابئين بأي خطر، إلى حيث ينتظر المنكوبون، والذين رابطوا في المستشفيات الميدانية.

كل هذه الصور الإنسانية ينبغي ألاّ تمر سريعاً، ولا يصح أن ننتظر تكرارها حين تقع كارثة جديدة في أي مكان من العالم، فالحفاوة بأبطالها انتصار لقيمة الحياة، وتقدير لمن يصونها ولو كانت روحه ثمناً لذلك.

وإن كانت «نوبل» فاجأتنا، أو بالأحرى صدمتنا، في سنوات ماضية بتكريم أسماء وكيانات محاطة بما أمكن من علامات الاستفهام أو التعجب، فلديها فرصة هذا العام لإنصاف النماذج الإنسانية التي تجلت وسط كل تبعات مأساة زلزال سوريا وتركيا.

في أي مجال سيجد المنصف في كواليس الجائزة متسعاً لهذه النماذج، فهي تعبير لا يشوبه شك عن السلام المأمول، والطب حين يضمّد الجروح ويسعف الأرواح، والأدب عندما يكون مرادفاً لخلاصة ما في النفس البشرية من قيم وأخلاق؛ بل والاقتصاد إذا كان يوفّر الأرواح وكلفة فقدها.

يقيناً ستصغر كما في كل صور الحزن تداعيات الزلزال مع الوقت، وإعادة إعمار الأرواح والمباني، لكن قيمة التعاون الإنساني النبيل الذي أشرق في ما قدّمته فرق الإنقاذ والإغاثة، يجب أن تكبر مع الوقت، وتكافأ بأوضح صور المكافأة، ومنها جائزة «نوبل».

إنْ حدث ذلك، سيكون درساً أمام العالم في تكريم مَن يُعلي قيمة الحياة فوق ما سواها من مطامع ورغبة في اختطاف الأوطان والبشر إلى دوّامات الانقسام والفتنة، التي لا تكتمل إلا بموت الأبرياء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/28nh7nth

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"