التحديات المتوازية.. وشفافية السيسي

00:27 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

محمود حسونة

اختار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي «القمة العالمية للحكومات» في دبي لتكون المنصة التي يكشف فيها الكثير من الحقائق، ويرد على العديد من الشائعات التي تحاول العبث بالعلاقات بين مصر ودول الخليج ليخرس ألسنة الفتنة التي تحاول الوقيعة بين القاهرة وأشقائها. اختار أن يتحدث بالمشاعر والأحاسيس اليقينية من القلب لتصل رسالته إلى القلوب، وأن يخاطب العقول بلغة الأرقام حتى لا يدع مجالاً للمشككين للتأويل وفق أهوائهم وأجنداتهم، وأن يتحدث من دولة الإمارات الحريصة على الأمن والسلام العالميين إلى المسؤولين المشاركين في القمة، وإلى شعوب 150 دولة تشارك فيها وتنقل محطاتها الفضائية فعالياتها لتصل رسالته إلى أركان الأرض الأربعة.

ليست المرة الأولى التي يعترف فيها السيسي بفضل أهل الفضل على مصر والذين ساعدوها بالدعم المادي والمعنوي، لتتجاوز حالة التشرذم والتفكك وفقدان الأمل الذي شعر به شعبها بعد أحداث يناير 2011، شاكراً الإمارات والسعودية والكويت، ومشيداً بمواقف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة الذي تحرك عقب بيان 3 يوليو 2013، بأيام معدودة للوقوف بجانب مصر داعماً، ومحوّلاً مسارات السفن الإماراتية المحملة بالغاز والسولار والبنزين من البحرين الأحمر والمتوسط إلى الموانئ المصرية لتفريغ حمولاتها حتى تتجاوز مصر أزمة الوقود التي كان الناس يعانونها قبل وبعد 2011.

الموقف الإماراتي ليس وليد ظرف طارئ تعرضت له الدولة المصرية، ولكنه امتداد لمواقف الإمارات التي يشهد لها التاريخ منذ تأسيس اتحاد الإمارات عام 1971، ولن تسقط من الذاكرة المصرية والعربية مقولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، خلال حرب أكتوبر «النفط العربي ليس بأغلى من الدم العربي»، ولا أفعاله الداعمة للمعركة بالوسائل المختلفة. ومثلما كان عام اختطاف الجماعة الإرهابية للقرار المصري كابوساً على الشعب المصري كان كذلك كابوساً على الشعب الإماراتي، وبعد زوال الكابوس سارعت الإمارات لتقديم كل أشكال الدعم لمصر حتى تتجاوز أزمتها، دعمتها سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، ولم تدخر جهداً في سبيل أن تعود لممارسة دورها الحضاري والريادي في المنطقة.

الرئيس السيسي تحدث بشفافيته المعهودة في القمة عن التجربة المصرية منذ توليه الحكم عام 2014 وحتى اليوم، مستعرضاً الإنجازات التي لا ينكرها سوى جاحد، والتي امتدت إلى مختلف القطاعات، مبادرات صحية، وتحديث شبكة الطرق لتنافس على الأفضل عالمياً، وإصلاح وتحديث شبكة السكك الحديدية واستحداث خطوط جديدة فيها، وبناء 24 مدينة ذكية بينها عاصمة إدارية جديدة تعالج الزحام والتلوث الذي عانته القاهرة عقوداً، وتجديد قطاع الطاقة، وتأهيل مصر لتكون مركزاً إقليمياً للطاقة والوقود، ومتحدثاً عن الطموحات الكبيرة والتي تعرقلها أزمات متتالية وثقافات بالية وممارسات شعبية غير واعية، انعكست بظلال سلبية على الوضع الاقتصادي المصري، ولكنها رغم ذلك لن تعرقل المسيرة التنموية الساعية لغد أفضل مستحق للمصريين.

المشككون في كل إنجاز يحدث على أرض مصر، كان لهم نصيب من حديث السيسي في القمة، ولذا فقد كان مصطلحه «التحديات المتوازية» يكشف عن أن الحكومة الساعية لتحقيق جودة الحياة لم تكن لديها رفاهية الأولويات، فكل الملفات لا بد من فتحها، وكل القطاعات تحتاج إلى تدخل جراحي لاستئصال أورامها المزمنة، ولذا فقد كان التحرك جامعاً مانعاً، على مستوى القرى الذي يستحق أهلها حياة كريمة، والمدن التي تحتاج إلى إعادة صياغة، والمدن الجديدة التي تتوافق ومعايير حياة المستقبل.

نعم «الإرهاب أصبح من التاريخ» كما أعلن السيسي، ونعم مصر خاضت معركة امتدت سنوات لاقتلاع جذوره من أرضها. معركة استنزفت الدولة اقتصادياً وراح فيها آلاف من خيرة أبنائها، وبعد أن كان المصري ينشد الأمن أصبح اليوم يتحرك بأمان على كامل جغرافيتها، ولكن المستهدفين لمصر لم يتوقفوا ولن يتوقفوا، فبالأمس كان سلاحهم الإرهاب، واليوم يستهدفون الاقتصاد وزرع الشك في نفوس الناس ضد القيادة، وغداً سيكون للحرب وجه آخر مختلف، ورغم ذلك فإن الشعب الذي تحمل الكثير لأجل إعادة بناء دولته وكان من موقفه وموقف الأشقاء النقطتين المضيئتين في النفق الذي حفرته أحداث 25 يناير، هو نفسه الذي سيرد المؤامرات إلى المتآمرين، وهو الذي سيساعد على تحقيق النصر في معارك اليوم والغد.

mahmoudhassouna2020@gmail.com

عن الكاتب:
كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019