عادي

هوية درامية واحدة

23:13 مساء
قراءة 5 دقائق
f16022712
مشهد من مسرحية حرب السوس

الشارقة: يوسف أبولوز

المشتركات أو شبكة الاتصال والتواصل الإبداعي بين بلدان الخليج العربي متعددة ومتينة، وتعكس في الوقت نفسه، صورة الوحدة الثقافية الخليجية التي لا تنفصل في إطارها العام عن مكوّنات الثقافة العربية. وحين يقال إن هذه المشتركات متعددة، فبالضرورة علينا أن نعدّدها أو نحدّدها: هناك مشتركات في الشعر النبطي، والشعر الفصيح. وعلى سبيل المثال يلتقي شعراء الخليج على هوية إبداعية تتصل مباشرة بقصيدتي التفعيلة، وقصيدة النثر. ومن الملاحظ أن المسرح والشعر يشكلان جامِعَيْن حيَويين للإبداع الخليجي الأدبي والمرئي، والمرئي تحديداً هنا هو المسرح. المسرح في بلدان الخليج العربي يقوم على مشتركات شديدة التشابه، مثل ثيمة البحر، والغوص والنوخذة، وفقراء الماء، إن جازت العبارة.

عالج المسرح الخليجي بكثرة، مسألة أو ظاهرة ثقافة البحر، سواء باللغة الفصحى أو باللغة العامية الخليجية، أو الاقتباس من أعمال عالمية موضوعها البحر.

إيقاع

في المسرح الخليجي تتشابه اللهجات المحلية: الكويتية إلى جانب السعودية، والعمانية إلى جانب القطرية، والبحرينية إلى جانب الإماراتية. لهجات مسرحية خليجية متشابهة وإن كانت تتفاوت على نحو يكاد يكون غير ملاحظ في بعض المفردات، مثل قلب الجيم إلى ياء في بعض البلدان الخليجية، بينما لا تقلب بلدان أخرى الجيم ياء.

يظهر إيقاع الغناء، وتظهر مقاماته، وأصواته في كثير من الأعمال المسرحية الخليجية، وهي مرة ثانية ظاهرة غنائية أو الأصح موسيقية تقوم على مشتركات متشابهة. وفي العادة نشاهد أعمالاً مسرحية خليجية موضوعها البحر، وبالتالي موسيقاها أيضاً موسيقى البحر أو غناء البحر.

الثقافة الشعبية، والتراث الشعبي، والفولكلور المحلي بحكاياته، وسردياته البحرية والصحراوية والجبلية.. كل ذلك موجود أيضاً في المسرح الخليجي، وحين نقول إن هذه المفردات التراثية الشعبية موجودة في المسرح الخليجي، فنحن نعني أيضاً أنها مفردات شديدة التشابه، وإن كانت لكل مفردة تراثية خليجية خصوصيتها الصوتية، والتشكيلية، واللغوية أو «اللهجوية».

الزيّ على المسرح الخليجي، والزيّ في الدراما التلفزيونية الخليجية، يكاد يكون واحداً أو موحّداً، من الكندورة إلى الغترة والعقال، إلى لون الثياب والتفاصيل التشكيلية في الخياطة.. كل ذلك قائم على الخشبة الخليجية.. متشابه ومتقارب. ومرة ثانية مع تفاصيل فرعية بسيطة تميّز زياً عن آخر، لكن فضاء المسرح بوصفه فضاء ثقافياً يعكس كل هذه التفاصيل، ويؤكد أي المسرح وحدتها، وفي الوقت نفسه تنوّعها.

أيام الشارقة المسرحية استضافت عروضاً خليجية «خارج المسابقة» كنوع من الاستضافة والتكريم لهذه العروض، لكن ما أودّ قوله هنا، أن لجان التحكيم في أيام الشارقة المسرحية تضم مسرحيين إماراتيين، وإلى جانبهم مسرحيون خليجيون، وفي حين تنعقد ندوات تطبيقية تتناول المسرحيات بعد عرضها في ليالي الشارقة المسرحية حتى ساعات متأخرة من الليل أحياناً، فإن هذه الندوات كان ينعشها أو يُحييها مسرحيون خليجيون تنطبق عليهم صفة الاحتراف والثقافة والمسؤولية الإبداعية. رجال ونساء يحبّون المسرح وجعلوا منه ظاهرة فنية عربية في الخليج؛ لا بل الكثير منهم أساتذة، و«مهندسو» مسرح.

مدرسة

أيام الشارقة المسرحية مدرسة فنية اليوم بعد أكثر من 30 دورة منذ أواسط الثمانينات وإلى اليوم، ولم تكن الثقافة المسرحية الخليجية أبداً بمنأى عن فكر «الأيام»، وهي تظاهرة استقطابية أيضاً؛ أي بمعنى جذب الجمهور الخليجي المسرحي إلى الإمارات، ومشاهدة العروض وتطبيقاتها في الشارقة في الإطار العام لمشروع الشارقة الثقافي الذي ألْهَمَ الكثير من المسرحيين الخليجيين مسرحياً وجمالياً وفكرياً، وأسس المشروع مكتبة مسرحية تنوّعية استفاد منها المسرحيون الخليجيّون؛ لا بل هناك رموز مسرحية خليجية في لجان التحكيم المتعلّقة بجوائز النقد المسرحي، وفوق ذلك، كرّمت الشارقة في مناسبات عدّة الكثير من روّاد ورموز ورجالات المسرح الخليجي، وَقَدّرت تاريخهم المشرق في ثقافة أبي الفنون.

أشير أيضاً إلى نقطة أراها على درجة كبيرة من الأهمية، تتصل بالثقافة المسرحية العملية والتدريبية والأكاديمية، بعض وربما للكثير من العناصر المسرحية الإماراتية.

لقد درس حسن رجب، وإبراهيم سالم، والمرحوم حميد سمبيج، الإخراج المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، وهم علامات مهمة في المسرح الإماراتي.

حسن رجب اليوم من أسماء الصف الأول المسرحي في الإمارات إخراجاً وقبل ذلك تمثيلاً. مسرحي هادئ مثقف له نكهة إبداعية خاصة في كل عرض يشتغل عليه. تخرّج حسن رجب في المعهد عام 1986، وله أكثر من 20 عملاً مسرحياً، وأكثر من 15 مسلسلاً وهو من مواليد عام 1961، في حين ولد المسرحي والروائي والشاعر والإعلامي جمال مطر في عام 1963، وتخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية في عام 1986، وأخرج أعمالاً مسرحية راكزة في تاريخ المسرح الإماراتي والخليجي مثل مسرحية «جميلة تأليف وإخراج»، «قبر الولي إخراج»، «راعي البوم عبرني إخراج»، وغيرها من الأعمال التي تظهر فيها ظلال أو تأثيرات دراسته في الكويت.

تخرّج المسرحي الإماراتي إبراهيم سالم في المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت في عام 1988، وهناك معلومات تشير إلى أنه تخرّج في المعهد عام 1985، ومن المهم هنا الإشارة إلى هذه المعلومات ذات الطابع الأكاديمي كي نقف على شخصية المسرحي الإماراتي، ومرجعياته التعليمية المحلية أو الخليجية، وسيظهر كل ذلك في العروض المسرحية.

قدّم سالم مسرحاً إماراتياً بنكهة محلية إماراتية، مثل: فالتوه، وميادير، وباب البراحة، وعرج السواحل.

حميد سمبيج (1963 2019) بعد دراسته في الكويت، أعطى المسرح الإماراتي أكثر من 15 مسرحية، منها على سبيل المثال: لا تقصص رؤياك، وغاب القط، ومأساة بائع الدبس، وقد لعب أدواراً مهمّة في مسرحيات مثل: جميلة، وقبر الولي.

لم تقتصر دراسة بعض المسرحيين الإماراتيين في الكويت على الإخراج؛ بل درس في المعهد العالي للفنون المسرحية وليد عمران (ديكور)، وتحديداً إضاءة، وأبدع فيها على الخشبة، كما درس الديكور أيضاً الفنان وليد الزعابي وأبدع فيه، وأشير هنا إلى نقطة جانبية، وهي أن الفنان التشكيلي حسين شريف شقيق الفنان التشكيلي العالمي حسن شريف، قد درس هو الآخر الديكور في المعهد العالي للفنون المسرحية، لكنه لم يمارس المسرح قط.

الوسط المسرحي الإماراتي أيضاً استفاد من أسماء إخراجية خليجية على درجة عالية من الأهمية، وَمَنْ مِنَ المسرحيين الإماراتيين والكتاب العرب المقيمين في الإمارات ينسى تجربة المسرحي الكويتي صقر الرشود (1941 1978) في المسرح الإماراتي. وكان عبدالرحمن الصالح كاتب فيلم «بسّ يا بحر» قد اتصل بالرشود في الكويت، ثم أتى به أو عرض عليه المجيء إلى الدولة للإسهام في المسرح الإماراتي، وجاء فرحاً، رحمه الله، بهذه التجربة الغنية، ولكن في عام 1978 توفي في حادث سير في الإمارات.

إذ ينسى الإنسان بطبعه وطبيعته، فلا ينسى أيضاً تجربة المسرحي البحريني عبدالله السعداوي (1948) في المسرح الإماراتي. التقيت به أكثر من مرّة في الشارقة حبيبة المسرح والمسرحيين. كاريزما مسرحية خطرة، وروح إنسانية شفافة. قدّم لمسرح الشارقة الوطني: مسرحية «الفريج» في عام 1975، ومسرحية «المشنقة» في عام 1978.

من المخرجين الخليجيين الذين أعطو المسرح الإماراتي لا ننسى البحريني خليفة العريفي (1946)، الذي بدأ حياته كاتباً للقصة القصيرة، وجاء إلى الإمارات في دورات تدريبية لعناصر مسرحية إماراتية هي في ذاكرة أهل المسرح المحلي.

المخرج الكويتي حسين المسلم أسهم أيضاً في المسرح الإماراتي، كما أسهم فيه المخرج العراقي د. جواد الأسدي في عمله الشهير: «مقهى بوحمدة» لمسرح الشارقة الوطني.

منصة
كانت أيام الشارقة المسرحية منذ انطلاقها في عام 1984 وإلى اليوم، تشكل منصة التقاء مسرحي إماراتي خليجي عربي، وهو أمر يؤكده تاريخ «الأيام»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s6w7a4y

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"