نريدها أنيقة رشيقة

00:54 صباحا
قراءة دقيقتين

عد بذاكرتك إلى الماضي البعيد، استعن بكتب التاريخ وبما دونته أقلام المؤرخين وما تعلمناه في الكتب وما سرده الأجداد على مسامع الأحفاد والأجيال المتعاقبة، ستجد من الوسائل التي استخدمها المحتلون وقادة الحروب حول العالم سلاحاً خفياً ومميزاً يضمن لهم احتلال عقول الشعوب وكسب انتمائهم وولائهم. السلاح الأكثر «أناقة» وسلاسة ونعومة لاحتلال عقول الناس، وهو اللغة.

اللغة كانت وما زالت وسيلة للتخاطب والتواصل وتوسيع المدارك، وسلاحاً ذا حدين، حد يمكّن الناس من توسيع مداركهم وتعدد الثقافات والانفتاح على العالم وتطوير التعليم، وحد يمكّن دولاً من إحكام سيطرتها على دول، والتمدد أكثر فأكثر حول العالم، وغسل العقول بأفكار خططت لها وتنفذها ببساطة ومن غير معارك قتالية وعسكرية.

اليوم هو اليوم العالمي للغة الأم، والذي من المفترض أن يكون الهدف منه وفق منظمة اليونيسكو الحفاظ على الاختلافات في الثقافات واللغات، من أجل تعزيز التسامح واحترام الآخرين وتحقيق السلام، إضافة إلى المساعدة في مكافحة أزمة التعلم العالمية، والحفاظ على التنوع اللغوي، لكن دعونا نسأل صراحة: هل عرفنا كيف نحمي لغتنا الأم ونحن نرحب باللغات الأجنبية وندخلها مدارسنا ونحرص على تعليم أطفالنا منذ بداية نطقهم للحروف على الأقل لغة واحدة أجنبية يجيدونها ويتحدثون بها بطلاقة فيصيرون مدعاة فخر للأهل يتباهون بثقافة صغارهم وإجادتهم للغة الغريبة أكثر من لغة الأم والأب والأجداد؟

لا عيب في تعليم الصغار لغات عدة، بل تؤكد الدراسات أن عقول الأطفال قادرة على استيعاب وتعلم نحو سبع لغات دفعة واحدة، فهذا شكل من أشكال الانفتاح والتعليم المتطور والثقافة؛ إنما العيب في عقولنا التي ما زالت أسيرة «الاحتلال»، نتعامل مع الأجنبي باعتباره الأقوى، ونتوارث «عقدة الخواجة» ونتمسك بها لا شعورياً وكأن زمن الانتداب لا ينتهي!.

مهم جداً أن نعلم الأبناء التحدث والقراءة والتواصل بأكثر من لغة، فهل هذا يعني أن نغيّب اللغة الأم ونضعفها فتصبح في عيون الأبناء الموروث الثقيل الذي يحبون التخلص منه، أو الابن المشوّه الذي يخجلون من الاعتراف به. كل الأنظمة التعليمية في عالمنا العربي تحتاج إلى نهضة حقيقية كي تتألق اللغة العربية في عيون أبنائها، تحتاج إلى تفكير حديث في كيفية تعليم المواد بهذه اللغة العريقة، وكيفية تقليص المسافة بينها وبين أبنائها، وتحتاج إلى إعادة النظر بشكل جدّي في مضمون اللغة العربية، كيف يمكنها أن تكون ابنة العصر الحديث المتطور دون أن تفقد أصالتها ومكانتها؟.

التبسيط لا يعني التخلي عن الأساسيات وعن قيمة المضمون وأصول اللغة وجمالها، بل نريدها أنيقة رشيقة تبهر الصغار والشباب، فيحتضنونها ويتمسكون بها؛ لتكون هي الأساس واللغات الأخرى إضافات تثري المعرفة وتقرب المسافات بين الشعوب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/445rj6ew

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"