هيكل المثير للجدل

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

مرت هذا الأسبوع الذكرى السابعة لوفاة الكاتب الصحفي المصري والعربي الأشهر محمد حسنين هيكل، الذي لم تخل حياته الممتدة لأكثر من تسعين عاماً، من جدل حوله لا يقتصر على الصحفيين والكتاب ولا حتى على السياسيين.

الحقيقة أن هذا الجدل إنما يعكس الأهمية الكبيرة لتراث الرجل، سواء في عمله صحفياً منذ ما قبل ثورة يوليو 1952، أو «جورنالجي»، كما كان يفضّل أن يوصف، أو لكتبه التي نشرها في مرحلة متقدمة من العمر، أو لحواراته ومحاضراته وتحليلاته للقضايا الإقليمية والدولية. ولا عجب أن يكون الرجل بكل تراثه الهائل هذا، واحداً من أهم الصحفيين العرب وليس المصريين فقط على الإطلاق. ورسخ هيكل في مهنته الأساسية أسلوباً متميزاً، يمزج بين الخبري والاستقصائي، معتمداً على مخزون من لقاءات أتاحها له قربه من السلطة في بداية حكم الضباط الأحرار، وخاصة علاقته المميزة بالرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر.

كما أن هيكل الكاتب اعتمد بشكل أساسي على الوثائق، وإن كان البعض في سياق الجدل، يتهمه بأنه أحياناً دعم أحكاماً مسبقة لديه بشهادات قادة وسياسيين وشخصيات كبرى رحلت عن عالمنا، بما يجعل تدقيق الاستشهاد بهم صعباً، لكن الحقيقة أن الوثائق التي استند إليها في مجمل كتبه، تتسم بالأصالة والمصداقية إلى حد كبير.

وباستثناءات قليلة، يبدو الجدل حول محمد حسنين هيكل وتراثه الكبير، أبعد ما يكون عن المهنية، وإنما يأتي في سياق مواقف مسبقة من الرجل، إما لربطه بفترة حكم جمال عبدالناصر التي يعاديها (ولا يعارضها) مزيج من «الإخوان» الإرهابيين واليساريين المتشددين، أو لغيرة مما حققه من مكانة عالمية كصحفي عربي متفرّد. في المقابل نجد «مريدي» هيكل الذين يفضلون تسميته «الأستاذ»، أقرب لمن يزايد كرد فعل على اتهامات المعارضين للرجل.

بالطبع لا أدّعي أنني عرفت الأستاذ محمد حسنين هيكل بأكثر مما قرأت من خلال كتاباته وحواراته ومحاضراته، ولم ألتق به إلا مرة أو مرتين إحداهما في منزل الشخصية السياسية الفريدة في التاريخ المصري المعاصر إبراهيم شكري، رئيس حزب العمل. ومهنياً، كنت بالفعل منبهراً من قدرته على المزج بين الأسلوب الأمريكي في الصحافة الذي يعتمد التقريرية المبالغ فيها من قبيل: «قال فلان وذكر علان»، والأسلوب الأوروبي والبريطاني تحديداً الذي يمزج بين المعلومة وسياقها، وتجد نفَس الصحفي وروحه في الكتابة؛ بل يمكن الزعم أن أسلوب هيكل تجاوز الطريقتين بابتكار أسلوب فريد في مهنة الصحافة والإعلام.

وللأسف الشديد لم أتابع أي عمل جاد حقاً يتناول تأثير هيكل في مهنة الصحافة بشكل عام؛ إذ إن الجدل حول الرجل غالباً ما يكون ممزوجاً بآفة الهوى، وليس على أساس موضوعي إلا في ما ندر. ويكاد يشبه الجدل حول هيكل، حتى بعد كل هذه السنوات من وفاته، ما لا يزال يثار من خلاف حول الرئيس جمال عبدالناصر، وأغلبه أيضاً ليس موضوعياً ولا يضع الأمور في سياقها، وإنما هو إما من مريدين من الناصريين الذين يصوّرون تراث ناصر على أنه «نظرية»، أو معادين للثورة التي أيّدها الشعب معتبرين ناصر «ديكتاتوراً انقلابياً». وفي كلتا الحالتين، لا تجد تقييماً موضوعياً أصيلاً إلا في ما ندر.

لكن بعضاً من ظلم هيكل وتراثه مرتبط إلى حد كبير بالجدل حول جمال عبدالناصر. وأتصوّر أن في هذا ظلم للشخصيتين: الأول في الصحافة والثاني في السياسة.

وبما أنني من الجيل الذي لولا سياسة الثورة بعد التخلّص من الملكية والاحتلال الإنجليزي والفساد في الدولة، ما كنت تعلمت بالشكل الذي تعلمت به، ولا أكتب هذه السطور الآن، فلعلي أن أذكر موقفاً للأستاذ هيكل لم يكن له فيه يد، لكن تراثه وجهده كانا سبباً فيه.

في مطلع هذا القرن كتبت لصفحة الرأي في جريدة «آساهي شيمبون» اليومية اليابانية، وكانت وقتها أكثر الصحف اليومية توزيعاً في العالم أجمع. وبعد أول مقال، تلقّيت تحويلاً لمكافأة أذهلتني، ليس لأنها كانت أعلى أجراً تلقّيته عن مقال إطلاقاً، ولكن لأنها كانت كبيرة فعلاً. وعندما تحدثت مع رئيس تحرير صفحات الرأي قال لي إنهم هكذا كانوا يدفعون للأستاذ هيكل حين كان يكتب لهم، ولم أستطع إقناعه بأنه ليس كل الصحفيين العرب هم محمد حسنين هيكل. وبالطبع لم أبالغ في ذلك لأنني استحسنت المكافأة السخية.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/23eh28r3

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"