عادي

الزلزال.. طريق سوريا إلى الجامعة العريبة

22:47 مساء
قراءة 4 دقائق
عبدالله بن زايد يلتقى بشار الاسد

د. محمد فراج أبو النور *

تشير شواهد عديدة، خلال الأسابيع الأخيرة، خصوصاً بعد الزلزال الكارثة الذي ضربها، إلى أن الطريق قد بات ممهداً أكثر من أي وقت مضى أمام عودة سوريا لاحتلال مقعدها في جامعة الدول العربية، وحضور القمة العربية المقرر انعقادها قريباً في السعودية.

الدعم العربي واسع النطاق لسوريا في مواجهة كارثة الزلزال، والمساعدات الإغاثية والإنسانية التي تدفقت من جانب أغلب الدول الشقيقة، وخاصة الإمارات والجزائر والعراق ومصر، وحتى لبنان وفلسطين.. وزيارة وزير الخارجية الإماراتي سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان العاجلة إلى دمشق لبحث أوجه الدعم الضرورية لمنكوبي الزلزال، واتصال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بنظيره السوري بشار الأسد للمرة الأولى، وزيارة الرئيس الأسد لمسقط ومحادثاته مع سلطان عمان هيثم بن طارق، والتصريحات المهمة التي أدلى بها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان حول ضرورة دعم سوريا والحوار معها، وهي تصريحات تتسم بأهمية خاصة لأن السعودية كانت من معارضي عودة سوريا للجامعة، كما أنها مقر القمة المقبلة، والزيارة العاجلة التي قام بها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق بعد الزلزال، والجسور الجوية والبرية المحملة بالمساعدات للشعب السوري، كلها مؤشرات بالغة الأهمية لقرب عودة دمشق لاحتلال مقعدها في الجامعة العربية، وترجيح احتمالات حضور سوريا للقمة المرتقبة في السعودية.

وضع كارثي

زخم التضامن العربي الواسع مع سوريا الذي تزامن مع كارثة الزلزال، دفع كثيراً من المراقبين إلى الربط بين التطورات في المواقف العربية تجاه دمشق وبين الكارثة. إلا أن الحقيقة هي أن الزلزال قد سلط الضوء بقوة على عمق واتساع الكارثة الاقتصادية والإنسانية التي تواجهها سوريا، والتي هي أوسع بكثير من المناطق المنكوبة، وإلى واقع أن الشعب السوري بحاجة ماسة لمساعدات ضخمة وعاجلة، منذ سنوات عديدة لمواجهة الآثار الكارثية لسنوات الحرب الإرهابية الطويلة ضده، منذ عام 2011، والعقوبات الاقتصادية الغربية الخانقة التي بلغت ذروتها بقانون «قيصر» الأمريكي، الذي فرض حصاراً شاملاً بالغ القسوة على سوريا وشعبها الشقيق. والواقع أن هذه الحرب المدمرة الطويلة ألحقت دماراً واسع النطاق بالاقتصاد السوري والبنية التحتية في مختلف أنحاء البلاد، وهو دمار فاقمت العقوبات القاسية من آثاره، وزاد الاحتلال الأمريكي لحقول النفط والغاز في شرق الفرات من قسوة الأوضاع، وزاد الطين بلة سيطرة قوات «قسد» على مناطق إنتاج القمح والمحاصيل الزراعية وحرمان الشعب السوري من ثرواته.. وأدت كل هذه الأوضاع إلى عجز واضح وفادح في مواجهة كارثة الزلزال.

ويكفي أن نذكر أن أرقام البنك الدولي والأمم المتحدة تشير إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي السوري من (57) مليار دولار عام (2010) - أي قبل الحرب مباشرة - إلى (15.5) مليار دولار أي حوالي الربع عام 2022، وإلى أن تقدير البنك الدولي لخسائر سوريا حتى عام 2020 قد بلغت أكثر من (440) مليار دولار، وتقديرات إعادة إعمار البلاد تزيد على (450) مليار دولار، وأن أكثر من (90%) من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر، وأكثر من نصف السكان (12) مليوناً موزعون بين اللجوء إلى الخارج والنزوح في الداخل، مناصفة بالتقريب.. والبنية التحتية والمنشآت التعليمية والصحية مدمرة بصورة شبه كاملة.. ويعاني الاقتصاد السوري نقصاً فادحاً في المحروقات وموارد الطاقة.

وبالإضافة إلى ذلك كله، تحتل جبهة النصرة الإرهابية وحلفاؤها محافظة إدلب، وتحتل فصائل أخرى شمالي محافظة حلب وجيب تل أبيض - رأس العين في شرقي الفرات مدعومة بقوات الاحتلال التركي، وتقيم «قسد» كياناً تقسيمياً انفصالياً تدعمه القوات الأمريكية، التي تحتل حقول النفط والغاز.

ضرورة الإنقاذ

هذه الأوضاع كلها، مع تعليق عضوية دمشق في جامعة الدول العربية، خلقت وضعاً جعل سوريا تمثل جرحاً غائراً في بنية النظام الإقليمي العربي، والأمن القومي العربي، وبالرغم من إلحاق الهزيمة بداعش كقوة منظمة وسيطرت لسنوات على نحو ثلث الأراضي السورية، وبجبهة النصرة التي أجبرت على التراجع إلى إدلب وشمالي حلب، ومن سيطرة الحكومة الشرعية على حوالي (70%) من أراضي البلاد، وإفشال مشروع التقسيم وخطة «الفوضى الخلاقة» الأمريكية، فإن الدولة الوطنية السورية ظلت تعاني بشدة دماراً اقتصادياً شاملاً، وانهيار مستوى معيشة الأغلبية الساحقة من السكان، كما ظل اللاجئون السوريون يمثلون عبئاً كبيراً على البلدان العربية المجاورة، وخاصة على لبنان والأردن والعراق ذات الاقتصادات المنهكة أصلاً.

هذه الأوضاع الخطيرة، وما ترافق معها من تعثر مستمر لجهود التسوية السلمية، دفعت عدداً من الدول العربية لإدراك متزايد لخطورة استمرار عزل سوريا عن النظام العربي، خاصة مع المحاولات الأمريكية والغربية لتدمير هذا النظام أصلاً، وإقامة نظام شرق أوسطي بدلاً منه، وهي كلها مشروعات لا يمكن مواجهتها إلا بترميم وإحياء النظام الإقليمي العربي.. وهو أمر متعذر من دون وجود سوريا، ودعم التوجهات العروبية في العراق، ومنع تصفية القضية الفلسطينية.

من هنا بدأت جهود عربية مختلفة لاستعادة سوريا إلى الحضن العربي، من أهمها إعادة افتتاح السفارة الإماراتية في دمشق (ديسمبر 2018) والاتصالات الإماراتية السورية في إطار «المبادرة الإماراتية» لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، والتي كان من أهم تطوراتها زيارة الرئيس بشار الأسد إلى أبو ظبي (مارس 2022)، كما يجب الإشارة هنا إلى الاتصالات الأردنية - السورية، وفتح «معبر جابر نصيب»، وإلى الجهود الجزائرية والعربية المكثفة التي سبقت قمة الجزائر (نوفمبر 2022).

وبديهي أن كل هذه الجهود قد ساهمت في صنع زخم التضامن العربي مع سوريا التي صاحب كارثة الزلزال، والذي يخلق شروطاً أكثر مواتاة لعودة سوريا إلى الجامعة وحضورها للقمة.

وبناء على كل ما سبق، يمكن القول إن الظروف قد أصبحت مواتية - أكثر من أي وقت مضى - لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، واحتمال حضورها القمة المرتقبة في السعودية.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/23773cxs

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"