عادي
نص يدين الظلم بمقاربة إخراجية مبتكرة

«زغنبوت».. صرخة ضد من يستغلون أوجاع الإنسان

19:45 مساء
قراءة 4 دقائق
مشهد من العرض
(تصوير: محمد الطاهر)
مشهد من العرض
(تصوير: محمد الطاهر)
الشارقة: علاء الدين محمود
ضمن فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، احتضن قصر الثقافة، مساء أمس الخميس، العرض الإماراتي «زغنبوت»، لفرقة مسرح الشارقة الوطني، تأليف: إسماعيل عبد الله، وإخراج: محمد العامري، وأداء تمثيلي لكل من: أحمد الجسمي، وإبراهيم سالم، ومحمد جمعة، وحميد فراس، ومحمد بن يعروف، مع نخبة من الفنيين والتقنيين.
النص يتناول قضايا متعددة ومعقدة ومتشابكة، إذ يعقد محاكمة ضد الظلم والفساد، وقيام بعض المتنفذين بممارسة القمع وهم يدعون أن لا همّ لهم إلا مصالح البشر، الذين قد يبدو أنهم قد تصالحوا مع تلك الأوضاع، غير أنهم يلوذون بالصمت والصبر إلى حين. يغوص النص عميقاً في الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تفرز الظلم، والتي يستغلها البعض في فرض هيمنته وسيادته على الناس في كل مكان، ودائما ما يكون أقسى أشكال وأنواع الظلم هو الذي يأتي من الغريب الذي يمارس فعل الإغواء والإغراء والبطش بما يمتلك من موارد وقوة، ورغبة في تغيير هوية البشر وثقافتهم.
يتجه النص نحو الموروث الشعبي والتراث، ليقتنص زمن الأوجاع والألم، فترة القحط في مرحلة «الزغنبوت»؛ والذي يعني الذرة الرفيعة اللي لا تأكلها إلا الحيوانات، وهي إشارة إلى زمن مر فيه البشر بحالة من الجوع والفقر بسبب الجفاف ونقص الثمرات، فكان أن لجأوا إلى استخدام ذلك النوع من الذرة كطعام، حيث كانوا يقومون بطحنه وأكله، وكانوا يلبسون الخيش.
*صراع
العرض تاريخي، يحكي عن مجتمع يعيش في فقر شديد، كان الناس فيه يدعون ربهم ليل نهار أن يُنزل المطر، ويأتي الخير، وتتبدل أحوالهم إلى الأفضل، وضاق بهم الحال إلى درجة تسربت إليهم الكثير من الممارسات والتقاليد السيئة التي انتجها الواقع الاجتماعي المتأزم، والفقر الذي يشدد خناقه على حياتهم، فيدفع الرجل بزوجته إلى العمل، ويقسو الابن على أبيه، وتتبدل أحوال وأخلاقهم، و كانوا يرددون كلمة واحدة «الجوع كافر»، ويتعاملون معها كمسلمة من أجل تبرير الأخطاء وارتكاب المعاصي والجرائم.
ولم يكن أمام هؤلاء الفقراء من ملجأ غير الاستدانة والاقتراض من النوخذة، أو الطواش، وهما من وجهاء القوم جمعت بينهما مصالح اقتصادية مشتركة، وكانا يمثلان قمة الهرم الاجتماعي في تلك البلدة، لكنهما بدورهما تأثرا بالواقع السيئ والبؤس الذي عم الجميع.
وفي هذا الوضع، تظهر شخصية «البينان»، وهو رجل أجنبي، يمتلك المال وله سفن تحمل البضائع من بلاده، ليحل بين هؤلاء الفقراء في بلدتهم تلك، ويحاول في البداية التودد إليهم، ويعاملهم بلطف شديد، ويقرضهم المال، بل ويعد بحل كل مشاكلهم، بما في ذلك وجهاء القوم، فيصدقه الناس ويقعون في حبائله، إلا أنه يشترط عليهم أمراً واحداً، وهو الزواج من ابنة النوخذة، التي تدعى جواهر، حتى يصبح واحداً منهم، فيغضب الناس غضباً شديداً من ذلك الطلب الذي اعتبروه استفزازاً لهم، ومحاولة من «البينان» للسيطرة عليهم، وتغيير واقعهم وثقافتهم، خاصة أنه يدين بعقيدة أخرى.
في البدء يرفض النوخذة أن يزوج ابنته من «البينان»، وكان لهذا الأخير وكيل يعيش بين القوم، وهو داود، كان يخدمه ويرعى مصالحه، ويعمل على تحقيق طلباته ورغباته، وسعى داود بين الناس كي يقبلوا بهذا الزواج الذي فيه نهاية لأوجاعهم وفقرهم، ويلقي داود في روع النوخذة أنه إذا قبل بتزويج ابنته من «البينان» فإن ثرواته سوف تتراكم.
من ناحيتها ترفض جواهر بشدة هذا الزواج، وتلوذ بوالدتها، وكذلك بحبيبها، أحد شباب البلدة، غير أن والدها أصر على موقفه رغم المواجهة العنيفة بينه وبين ابنته، ليتم تحديد موعد العرس، وقبل الزفاف تحترق سفن «البينان» ما أفقده مكانته وسلطته، لتهرب جواهر مع حبيبها بعيداً.
العرض ركز كذلك، بصورة كبيرة، على قضية المرأة، وما تعانيه في تلك الحقبة، ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، وذلك يتضح من خلال الحوار القوي الذي جمع بين الوالدة وابنتها جواهر، حيث كانت الأم تؤكد أن المرأة لا صوت ولا رأي لها، بالتالي هي لا تمتلك أي سلطة تحول دون أن ينفرد الأب بالرأي، غير أن صوت جواهر القوي وموقفها الشجاع في الرفض كان يستشرف حقبة مقبلة وجديدة ترتقي فيها مكانة المرأة.
*مقاربات إخراجية
عدد من القضايا الاجتماعية ناقشها العمل، وجاء التناول الإخراجي ليخدم تلك الخطوط، ودفع محمد العامري بعدد من الحلول التي تخدم العمل، بسينوغرافيا باذخة، وديكور وأزياء تنتمي إلى تلك الحقبة من التاريخ، بملابس مصممة من الخيش، كما تم توظيف الموسيقى الشعبية بصورة خلاقة ومبتكرة، وكذلك الإضاءة من خلال الإنارة الكاملة للخشبة وتوظيف الإسقاطات والبقع الضوئية، من أجل إظهار الحالات النفسية والتعبيرات الوجدانية على وجوه الممثلين.
وفي الندوة التطبيقية التي أعقبت العرض، أكد النقاد والمسرحيون أصالة النص وقوة طرحه في تناوله للموروث الشعبي بطريقة مبتكرة، وأشاروا إلى أن المؤلف إسماعيل عبد الله قد برع في الدخول إلى ذلك الموروث عبر زاوية جديدة غير متوقعة، فبينما يركز الكثير من المؤلفين على شخصيات محلية مهيمنة، ركز عبد الله على شخصية الغريب وأثره في الواقع والحياة الاجتماعية، كما أشادوا بالحلول والمقاربة الإخراجية المميزة، ولفتوا إلى أهمية العرض والأفكار والدلالات التي حملها.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s4zye5y

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"