عادي
توظيف متقن لعناصر السينوغرافيا

«يا خليج».. تشكيلات بصرية واحتفاء بلغة الجسد

01:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي/البحرين/تصوير محمد الطاهر/٢٣/٢/٢٠٢٣
مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي/البحرين/تصوير محمد الطاهر/٢٣/٢/٢٠٢٣

الشارقة: علاء الدين محمود

ضمن فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، احتضن قصر الثقافة، مساء أمس الأول الأربعاء، عرض «يا خليج»، لفرقة مسرح جلجامش «البحرين»، تأليف يوسف الحمدان، إخراج: عبد الله البكري، تمثيل: فهد الزري، لمياء الشويخ، أحمد محفوظ، ومجموعة من الممثلين والمؤدين.

اللافت في هذا العرض، تخلّي المخرج في سياق مقاربته للنص عن الحمولة الكلامية، حيث جاء الحوار والتعبيرات معتمدة بصورة كبيرة على لغة الجسد، إلا من بعض العبارات والأبيات الشعرية والمواويل التي عملت على شرح الحالات النفسية، وسرد الوقائع بطريقة مبتكرة ومختلفة، وربما يخطر في بال المتلقي هنا، تلك المقولة الشهيرة للعلامة الروحي النفري التي جاء فيها: «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»، تلك التي ظلت تردد على مر السنوات والأعوام، لكن فيما يبدو، أن الإنسان لم يكن، ومازال، لا يعتمد على «العبارة» أو «الكلمات» فقط، عند التعبير عن ذاته وما يحيط به، فالشعوب حول العالم كانت في سالف الزمان تعبّر بطرق مختلفة، على رأسها الرقص والأداء الحركي، ونجد ذلك متوفراً في تاريخ الشعوب القديمة، سواء في القارة الإفريقية، أو عند الهنود الحمر، وبقية الحضارات، حيث لم يكن الرقص يوظف في اللهو فقط، والمناسبات الاحتفالية، بغرض الترفيه فقط، رغم أهمية ذلك الفعل، بل كان لكل رقصة أو حركة أدائية، دلالة وعلامة ورمزية تشير إلى شيء، أو فعل معين، لذلك هنالك رقصات للحرب، وأخرى للعمل في الصيد، أو الحصاد، ومختلف الأنشطة الاجتماعية، واليوم باتت الفنون المسرحية والأدائية تهتم بلغة الجسد، حيث إن الإنسان في نشاطه اليومي لا يعتمد على اللغة الكلامية فقط، بل يبث الكثير من الإشارات عبر حركات الجسد.

الشاعرية في النص تبدأ منذ العنوان الذي هو بمثابة عتبة نصية مهمة شارحة، ومفضية إلى عوالم الموضوع والأحداث، ويبدو واضحاً أن الكاتب قد استدعى الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب، في نصه المعروف «أنشودة المطر»، التي يقول فيها:

أصيح بالخليج: يا خليجْ / يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والرّدى! / فيرجع الصّدى / كأنه النشيجْ: / يا خليج / يا واهب المحار والردى. ولعل الكاتب ركز بصورة كبيرة على تلك الثنائية الواردة في النص الشعري «المحار والردى»، وربما كانت الغلبة للردى في تفاصيل العرض، الذي يطوف في عوالم داكنة ومأساوية، ويقدم رؤية تتنبأ، ربما، بغياب البحر واهب الحياة، لتكون نتيجة ذلك الغياب هو الردى والظمأ والانتظار والموت. ولئن كان لابد من مسار لقصة العرض، فهو يتحدث عن حياة جافة على ضفاف بحر، ربما هو الخليج، وقد أذن بالمغيب، ويستعيد حيوات سابقة للذين عاشوا على تلك الضفاف، وكيف كانت الحياة شديدة القسوة، حيث لا شيء سوى القحط وأجساد يابسة تستجدي جرعة ماء بلا طائل، وهناك انتظار لما سيسفر عنه الصبح، وهو الأمل الذي يعيش عليه الناس، صباح مساء، يتطلعون إلى عودة البحر حيث «لا بحر»،.

بناء درامي

احتفى العرض بالفعل بلغة الجسد، وكان النص بمثابة هيكل، أو أساس شيد عليه المخرج البناء الدرامي برافعة التعبيرات الأدائية، والطقوس ودلالات الأزياء، حيث كان الفعل الكوريغرافي عبر الرقصات والتعبيرات الجسدية والأدائية هو الحاضر بقوة في مشهد الخشبة، لتكون البطولة لتلك الفرقة بأكملها، بأدائها المتقن والمتزن والمنضبط، وقام المخرج بتوظيف الأغنيات والموسيقى الحية في حالة ملحمية، وجاءت الإضاءة لتكمل تلك الروعة عبر الإسقاطات الضوئية تارة، والإنارة الكاملة في بعض الأحيان، مع العديد من المفردات التي تشير إلى «ظلال البحر»، الذي غاب، من أشرعة متحطمة وبقايا من سفن.

ولعل اللافت في العرض، تلك الشخصية العصرية التي تجول في المكان، تحمل أدوات وأجهزة حديثة، كأنها شخص غريب، أو ربما مسافر عبر الزمن، أو عائد إلى الماضي جاء ليشهد تلك السير والأحداث ويدوّن، أو ربما يلتقط «سيلفي» مع الماضي، كما برع المخرج في توظيف خلفية خشبة المسرح في عملية توضيح الدلالات والرموز.

قوبل العرض باستحسان لافت، وذلك مؤشر على ارتفاع ذائقة المسرح لدى الجمهور، لتصبح المسرحية بالتالي من الأعمال التي تؤسس لمرحلة جديدة في المسرح الخليجي، بابتكارات وأدوات مختلفة تبحث عن أفق جديد للعروض، وتؤسس لقاعدة جماهيرية أكبر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr7yd5bp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"